كيف تفرَّقت الأمة؟
كيف تفرَّقت الأمة؟
بعد أن حدثنا الكاتب عن معنى الأمة وكيف يجب أن يكون، يفاجئنا بالواقع الحقيقي التي هي عليه من ألوان الاختلاف الذي يتراوح ما بين الطبيعي والسيئ الذي يخرب الإخاء الديني والبناء الإسلامي، ومن أمثلة الاختلاف: اختلاف المذاهب الفقهية والفكرية، إذ إن الانتساب إلى مدرسة أو مذهب ما لتقليل التشتُّت في شؤون الحياة الدينية والدنيوية يكون مقبولًا، حتى إن الأئمة الأربعة أنفسهم لم يكن بينهم غير الحب، إلا أن التعصُّب الذي يظهر من متبعي المذاهب من تقديم لقول الإمام على قول الله ورسوله، فهو إساءة إلى المذهب نفسه وإلى الأمة، فقد أصبح الناس يتعاملون مع المذهب وكأنه دين منفصل يجب الولاء والبراء والتزويج والميراث لأصحاب المذهب الواحد فقط، والأسوأ هو حجب الصواب من الأقوال العلمية الأخرى، والحق أن وسع الشريعة لا يحتويه أربعة مذاهب فقط، بل يتحمَّل المزيد من الوسع وتقبُّل الاختلاف.
وثاني الأسباب هو اختلاف الأجناس، فالانتساب مقبول بلا فخر ولا انعزال ولا يتعارض مع الانتماء الأكبر إلى الإسلام، وكان له مقصد رباني أن الناس لا يتمايزون على بعضهم بالأنساب، وإنما بالتقوى وأن ديننا ليس دينًا عربيًّا ولا يقتصر على فئة معينة، بل دين عالمي له أتباع من كل مكان، ومع ذلك ما زالت العصبية القبلية موجودة حتى في الطرائف التحقيرية والأحاديث السلبية عن الشعوب، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ…”.
وأخيرًا الجماعات والأحزاب من المفترض أن تكون اتفاق مجموعة من الناس على أهداف معينة ضمن نطاق الشريعة، ولكن التحزُّب المرفوض هو الانشقاق عن وحدة الأمة أو الحكم على الأفراد لمجرد انتمائهم إلى جماعة معيَّنة، وتجاهل الحق إذا كان منهم وإساءة الظن بهم؛ فقد يوجد الإنسان الجيد وسط جماعة مقصرة والعكس، وهذه الاختلافات تتطلَّب الكثير من المجهود في إثبات خطأ الآخرين كتابيًّا وعلميًّا، في حين تقبَّلت الأمم الأخرى الاختلافات فيما بينهم ووحَّدوا الجهود في وضع نظام يحتكمون إليه في اختلافاتهم وأمة المسلمين أولى بذلك.
الفكرة من كتاب كيف نختلف؟
“إن أمة مشتَّتة، متفرِّقة القوى، متضادة الاتجاهات، مختلفة الأهداف والرُّؤى؛ لا يمكن أن تكون قويةً، ولا أن تحمل دينًا، ولا أن تقيم دنيا”.. بهذه المقولة انطلق الشيخ سلمان العودة في كتابه هذا ليحفِّزنا على الاختلاف برُقي، وأن يكون خلافنا في الرأي فقط مع وحدة الصف والقلوب.
ويتناول الشيخ محاولة لإعادة صياغة منهجية التفكير للعقل المسلم في قضية الاختلاف وما يتعلَّق بها من إشكالات وتعقيدات، ويشرح مفهوم الاختلاف وأسباب نشأته وآدابه وحدود الاختلاف المقبول؛ إذ إن الاختلاف وتعدُّد الرؤى لم يسبِّب مشكلة للعقل المسلم إلا في عصور الضعف والجمود سواء على مستوى الأشخاص أم الأمم، حتى كان تقبُّل الاختلاف والتجديد دليلًا على مرونة الأمم وتقدُّمها، وأن الاختلاف يجب فقط أن يُجلي الحق ويؤلف القلوب.
مؤلف كتاب كيف نختلف؟
سلمان بن فهد بن عبد الله العودة: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجلس أمنائه، وأستاذ جامعي ومفكر سعودي ولد في ديسمبر 1956، وحصل على ماجستير في السُنَّة في موضوع الغُربة وأحكامها، ودكتوراه في شرح بلوغ المرام “كتاب الطهارة”.
وكان من شيوخ الصحوة، إذ شارك في برامج تلفزيونية للدعوة والإصلاح مثل برنامج “وسم”، وبرنامج “إشراقات قرآنية” و”حجر الزاوية”، وقد اهتم بموضوع الاختلاف في العديد من مؤلفاته مثل: “ولا يزالون مختلفين”، “الأمة الواحدة” ، “مقولات في فقه الموقف”، كما كان له العديد من المؤلفات المتميِّزة مثل: “أنا وأخواتها”، و”علمني أبي”، و”لو كنت طيرًا”، و”بناء الفرد”.