كيف تعامل الإنسان مع الخوف؟
كيف تعامل الإنسان مع الخوف؟
لكل مجتمع طريقته الخاصة في الخوف، يسمي قواعد محددةً لكيفية التعاطي ثقافيًّا معه، فمثلًا في مجتمعات ما بين الحربين العالميتين، تعاطى أفرادها مع الخوف عبر ثقافة الشجاعة العسكرية، التي ضخمت من قيم التضحية والولاء والشرف، وأقنعت الجنود بأن الموت أهون من العيش تحت ظل عار الهزيمة، واستعانت بالطب النفسي العسكري لمعالجة أمراض الخوف وأعراضه، ولم يقتصر الخوف على زمن الحروب، بل إن وجوده مرتبط بالإنسان، يصفه بعض الفلاسفة بأنه القلق الوجودي البشري، ويعيدون جذوره إلى أعمق خوف إنساني، وهو الخوف من الموت.
خففت الفلسفة من حدة الخوف من الموت بمواجهتها بفضيلة الشجاعة، والتهوين من أهمية سؤال ماذا بعد الموت؟ بينما عالجه الدين بمنحه إطارًا تفسيريًا، يرتكز على الخوف من الله سبحانه وتعالى، ويقدم صورة لما سيحدث بعد الموت في الحياة الآخرة، حيث العقاب والجزاء، ويستند النظام الاجتماعي الأخلاقي على الخوف من الله، حيث يعد شرطًا مسبقًا للتحلي بالفضائل.
توقع الفلاسفة والعلماء مستقبلًا أفضل للبشرية إذا اعتمدت على العقل والذكاء، ولكن فشلت تلك التنبؤات المتفائلة، وبزغ نمط جديد علماني في التعاطي مع الخوف في القرن الواحد والعشرين، وهو الخوف من الخوف بذاته، فتحول الخوف من استجابة لتهديد خارجي إلى قوة سلبية مدمرة، وانفصل عن السياق الأخلاقي الحاكم، منتقلًا إلى السياق النفسي، لتتعامل معه المجتمعات الحديثة كمشكلة طبية يمكن علاجها، وتعرفه بأنه حالة مضطربة من القلق السيكولوجي، وفي ظل تآكل القيم الكبرى وتسارع التحولات الجذرية في العالم، تضخم حجم الخوف في حياة المرء، الذي أصبح لا يعلم من أي شيء يخاف، هو فقط خائف.
الفكرة من كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
انتشر مصطلح ثقافة الخوف في أدبيات علم الاجتماع، وزادت نسبة الاهتمام به، وبذل عدة باحثين مجهودات ضخمة لتتبع الخوف، وتحديد مظاهره وسماته وتاريخه، وكلما تعمقوا في البحث، تيقنوا أن للخوف تأثيرًا ضخمًا على حياتنا وعالمنا، بل قد يصبح الدافع الوحيد أما البشرية للتحرك إلى الأمام.
كيف نخاف؟ ومما؟ وما الذي يصنع مجتمعا خائفًا وآخر شجاعًا؟ وهل تغير خوفنا بتقدم العلم والمعرفة؟ ألم تعدنا الحضارة بالقضاء على الخوف، وبمستقبل خال من التهديدات؟ فما الذي تغير؟ سنجيب عن تلك الأسئلة رغبةً في فهم الخوف في القرن الواحد والعشرين، لعلنا نتمكن من إدارته وتنظيمه.
مؤلف كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
فرانك فوريدي: عالم اجتماع مجري ولد في بودابست بعام ١٩٤٧م، هاجرت عائلته من المجر إلى كندا بعد انتفاضة ١٩٥٦م الفاشلة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية في جامعة ماكجيل، ثم انتقل ليعيش في بريطانيا منذ عام ١٩٦٩م، ثم حصل على درجة الماجستير في السياسة الأفريقية من كلية الدراسات الشرقية الأفريقية، أتبعها بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة كينت عام 1987م. كرس عمله الأكاديمي لدراسة الإمبريالية والعلاقات العرقية واستكشاف علم الاجتماع، مؤلفا عدة كتب مثل:
أين ذهب كل المثقفين؟
سياسة الخوف.
معلومات عن المترجم:
كريم محمد: كاتب ومترجم مصري، من أعماله:
حتى تنطفئ النجوم.
سوف ننجو بأعجوبة.