كيف تعاملت الحضارات مع الأقليات؟
كيف تعاملت الحضارات مع الأقليات؟
على مرِّ الفترة الطويلة التي عاشتها الحضارة الإسلامية وخصوصًا مع بداية توسُّعها، اتضح موقف الإسلام من الأقليات التي بدأت تظهر وتنضم إلى رقعته، لكن قبل أن نتعمَّق في الموقف الإسلامي، ماذا كان تصرُّف الحضارات والثقافات الأخرى تجاه هذه المسألة الاجتماعية؟
بالنسبة للحضارة الرومانية، فقد عُرِف عنها احتكارها “السيادة والشرف” للجنس الروماني، فيما اعتُبِرت الأجناس الأخرى أقل منزلة، وكذلك الأمر على من ليس على دين الرومان كاليهود والنصارى، حتى لما اعتنقوا الدين النصراني كانوا يصبُّون اضطهادهم على النصارى الشرقيين في مصر والشام، فلا يعتبرون أن لهم حقًّا حتى في تطبيق القوانين الرومانية عليهم.
أما بالنسبة لليهودية التلمودية، فأشهر ما عُرِف عنها العنصرية الشديدة، إذ جعل اليهودُ اللهَ (سبحانه وتعالى) إله بني إسرائيل وحدهم، واضطهدوا المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) ومن اتبعوه، ثم “النصرانية”، التي لما اعتنقها الرومان لم يسيروا على نهجها، بل اعتبروا كل من يخالفهم يستحق التحقير والاضطهاد، وتم حينها اضطهاد وحرق كل من يمتُّ إلى الوثنية بصلة سواء أناسًا أو حتى مكتبات ومعابد، لكن ماذا فعل الإسلام لما جاء؟
جاء الإسلام في ظل هذا الواقع الذي فرضته الحضارات الأخرى التي اختصَّت الحقوق الإنسانية لها وحدها، ففرض ثورةً إصلاحية هدفت إلى الوحدة الشاملة، فالله تعالى هو “ربُّ العالمين” وليس ربَّ شعبٍ دون غيره، والشرائع الدينية منذ بدايتها هي تنوُّع في إطار الدين الإلهي الواحد وجاء الدين الإسلامي ليتمِّمها ويكملها، فالأنبياء الذين حملوا الأديان هم إخوة ودينهم واحد، ففي الحديث الشريف: “الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد”، رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
الفكرة من كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
إن نقطة قوة الحضارات تكمن في أقليَّاتِها، فمنها تعرف أتستقرُّ الحضارة أم تزول ولا يبقى لها أثر، وكذا الحال في إمبراطوريات مضت كالرومانية التي لم تُهلك إلا بالأقليات الموجودة بها، ولقد كان من الضروري أن نتعمَّق في موقف الإسلام مع الأقليات والسياسة التي تعامل بها معهم حينما كانوا تحت ظلاله ولا يزالون.
وعمومًا، فبمرور الزمن وتتابع التاريخ ستجد أن سياسةً استعمارية قد بلورت أهدافها على يد هذه الثغرة؛ ثغرة الأقليات، وكلُّ ما عليك أن تدعم أقلية وتسلِّط الضوء عليها، فهذا يكفي لإسقاط دولة سمحت لك بالتغلغل في هذه الثغرة كدول لبنان وسوريا والعراق وليبيا، فما القصة؟
مؤلف كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
الدكتور محمد عمارة (1931-2020)، هو مفكر إسلامي مصري، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقًا، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965م من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975م، وألَّّف ما يصل إلى 147 كتابًا، ومن أهم مؤلفاته:
عندما دخلت مصر في دين الله.
مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام.
القدس بين اليهودية والإسلام.