كيف تصعد الحضارات وتنطفئ؟
كيف تصعد الحضارات وتنطفئ؟
لا شيء يستقر على حاله أبدًا، وكذلك العالم الأشبه بموجات البحر التي تتدافع بعضها إثر بعض وتختلف كلٌّ منها عن سابقتها، فما أطول أزمنة البناء وما أقصر زمن الهدم، فهكذا الأمم لا تبقى على حال، فما تلبث أن تتمكَّن وتسيطر حتى تبدأ في الأفول وتنزوي، ففي التاريخ قامت ممالك كبيرة وإمبراطوريات عظيمة دوَّخت الدنيا بأسرها وهي الآن قابعة تحت التراب، وهذا ما يجعل التاريخ صفحة واحدة وإن اشتمل على مجلدات عدة.
وإذا سبرنا أحوال صعود الأمم وهبوطها نجد أن تغيُّر الركائز النفسية التي قامت عليها أحدث تغيرًا كبيرًا في أخلاقها مما انجرف بها إلى منحدر السقوط، فما سقطت أمة إلا بانحدار أخلاقها واضطراب مبادئها النفسية الأساسية التي شكَّلت أركانًا لعِرقها البشري الذي تمايزت به عن غيرها، فما إن يستتبَّ الأمر لأمة ما وتجنح لأساليب الترف حتى تفقد جميع الصفات التي كانت سببًا في عظمتها.
فالأنواع النفسية تخضع لعوامل الزمن كنظيرتها المادية، فهي تقوى ويشتد عودها، وهي أيضًا تهرم وتموت، ورغم أنها تحتاج من الوقت الكثير حتى يستقر قرارها فإنها قد تذهب سريعًا، فهي نتاج بيئتها الحاضنة ووليدة ظروف وعوامل كثيرة عملت على تثبيت دعائمها، فإذا حدث ثمة اضطراب أسهم في تغيير هذا الوسط وتعطَّلت تلك العوامل انعكس ذلك على المزاج النفسي، ما ينذر بتحُّولات نفسية عميقة تستهدف العِرق النفسي من جذوره، وعلى ذلك نجد أن تاريخ البشرية اقترن بتاريخ نزعاتها النفسية التي يؤدي تغييرها إلى قلب العالم رأسًا على عقب، فالأمم لا تعيش طويلًا بعد موت أفكارها وعلى هذا المدار يدور التاريخ في كل زمان.
الفكرة من كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
إن الذي يستطيع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية فقد فُتح له باب سر الوجود وأصبحت مصائر الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك القوى النفسية من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام.
يسلك الكاتب مسلكًا يرتكز على الملاحظة العلمية، في دراسة التاريخ لاشتقاق أحوال صعود الأمم وهبوطها وسبر أغوارها، وكيف تتشكَّل نظرتها إلى الواقع المحيط، كما يدلف إلى نزعاتها النفسية التي تحدد قالبها الفكري والشاعري ومن ثم مصيرها.
مؤلف كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وأنتج مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة والثقافة الشعبية ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم مؤلفاته:
روح الجماعات.
حضارة العرب.
سيكولوجية الجماهير.
روح الثورات والثورة الفرنسية.