كيف تتشكل العادات في الدماغ؟
كيف تتشكل العادات في الدماغ؟
اقترح عالم الأعصاب “بُول مَاكْلِين” فكرة دماغ السحلية لإثبات دورها في السلوك الاعتيادي، وركز فيها على “العقد القاعدية”، وهي مجموعة من نويّات الدماغ التي تتكون من عدّة مناطق منفصلة هي النواة الذنبية، والبوتامين الذي يؤدي دورًا محوريًّا في الأعمال الروتينية، والنواة المتكئة التي تُعنى بمعالجة المكافآت والمشاعر، ومن ثمَّ تلعب دورًا مركزيًّا في الإدمان، والكرة الشاحبة، ونواة تحت المهاد، هذا إلى جانب المنطقة السوداء والمنطقة السقيفية البطنية التي تتضمن الخلايا العصبية التي تنتج الدوبامين.
يمتلئ الدماغ بعديد من المواد الكيميائية، لكن يتربع على قمتها “الدوبامين” بسبب تردده في وسائل الإعلام بوصفه مادة كيميائية للمتعة، وفي الحقيقة هذا غير صحيح، فالدوبامين مسؤول عن جميع العادات الجيدة والسيئة، وتعد الخلايا المنتجة للدوبامين في الدماغ قليلة جدًّا، وهو ما يتناقض مع تأثيرها الكبير الذي يعتقده غالبية الناس، وللدوبامين وظيفتان، الوظيفة الأولى: “إثارة الخلايا العصبية في المسار المباشر”، الوظيفة الثانية: “تثبيط الخلايا العصبية في المسار غير المباشر”، ومن ثمَّ فهو يعمل عمل زرّ رفع وخفض الصوت، وبتحفيز خلايا الدوبامين التي تقع في المسار المباشر عند الفئران لوحظ أنها تقضي وقتًا أطول في المشي، بينما أدى تحفيز الخلايا العصبية في المسار غير المباشر إلى قضاء الفئران وقتًا أطول في مكانها، وبناءً على ذلك نستنتج أن تحفيز خلايا الأعصاب في المسار المباشر يؤدي إلى التسبب في الأفعال، بينما تحفيز خلايا الأعصاب في المسار غير المباشر يؤدي إلى منعها.
يتبين من ذلك أن الدوبامين ليس مسؤولًا بشكل مباشر عن المشاعر الممتعة التي تحدث عقب تعاطي المخدرات، فدوره يتمحور حول الرغبة بدلًا من الإعجاب، وبناءً على ذلك حاول عالم الأعصاب “جون سَالامُون” التلاعبَ بكيمياء الدماغ من أجل تحويل الفئران النشطة إلى كسولة، فصمم تجربة تتيح للفئران الاختيار بين كمية طعام صغيرة يمكن الوصول إليها بسهولة، وكمية طعام كبيرة يمكن الوصول إليها بعد التسلق فوق حاجز سلكي، ولاحظ أنه في الوضع العادي سوف يختار الفأر الطريق الصعب الذي يوجد به كمية طعام أكبر، لكن عندما تدخل سالامون وعطّل الدوبامين، صارت الفئران أكثر ميلًا إلى اختيار الطريق السهل الذي توجد به كمية قليلة من الطعام، وبناءً على ذلك نستنتج أن دور الدوبامين ليس تحديد مدى حب الكائنات الحية للمكافأة، بل يرتكز دوره على مدى رغبة الكائنات الحية في الحصول على مكافأة معينة ومدى الجهد الذي ستبذله في سبيل الحصول عليها.
الفكرة من كتاب صعوبة التخلص من العادات.. ولم يتمسك بها دماغنا؟
إذا سألت أي شخص: لماذا لا تستطيع إجراء التغيير الذي تأمله في نمط حياتك؟ سيجيبك بأنه يفتقر إلى “قوة الإرادة“، وإذا سألت أيًّا من مقدمي الرعاية الصحية: لماذا لا يستطيع بعض الناس تغيير نمط حياتهم إلى الأفضل؟ سيجيبون بالإجابة نفسها، لأنهم يفتقرون إلى “قوة الإرادة“، ومن ثم يقدمون النصائح للمرضى تبعًا لقوة إرادتهم، وفي الحقيقة، يوجد كثير من الأدلة تؤكد على انتفاء العلاقة بين قوة الإرادة وتغيير العادات السيئة، أو اكتساب عادات جيدة، وخلال الكتاب يستعرض المؤلف بشكل علمي آلية تشكيل العادات من خلال عرض كثير من التجارب العلمية، للوقوف على الأساليب الفعّالة للتخلص من العادات السيئة خصوصًا الإدمانية منها.
مؤلف كتاب صعوبة التخلص من العادات.. ولم يتمسك بها دماغنا؟
راسل أ. بولدراك: عالم أعصاب وعالم نفس أمريكي، يعمل أستاذًا لعلم النفس في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل مديرًا مساعدًا لعلوم البيانات في ستانفورد، وعضو معهد ستانفورد للعلوم العصبية، ومدير مركز ستانفورد لعلم الأعصاب القابل للتكرار، ومدير مركز SDS للعلوم المفتوحة والقابلة للتكرار، ومن مؤلفاته:
The New Mind Readers: What Neuroimaging Can and Cannot Reveal about Our Thoughts
Statistical Thinking: Analyzing Data in an Uncertain World
معلومات عن المترجمة:
عائشة يكن: هي مترجمة لبنانية، حاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ماديسون بالولايات المتحدة الأمريكية عن إدارة العلوم، تشغل منصب نائب الرئيس للشؤون الإدارية والطلابية في جامعة الجنان بلبنان، ومن ترجماتها:
الضجيج.
مدخل إلى التفكير الناقد.
الفلسفة تدخل المدارس.
كيف تبقى متوقّد الذهن؟
أنت على وشك ارتكاب خطأ فادح!