كيف الخلاص وكلهم أعدائي!
كيف الخلاص وكلهم أعدائي!
شهر بهذه المكانة والقيمة هل سيتركه شياطين الإنس والجن هكذا بغير تحضير مسبق؟ بل إنهم يعدون له العدة خلال العام ليفسدوا عليك سمعك وبصرك فيذهبوا بصيامك بالكلية، ولماذا كل هذا؟ لأنهم يعلمون ما للصيام من عجيب تأثير في النفس والروح، والتحصُّن ضدهم إنما يكون بثلاثة أمور: أولها كثرة الذكر، فالذكر عدو الغفلة، والغفلة هي فرصة إبليس لاصطياد غريميه، والأمر الثاني هو الاقتصاد وتجنُّب الإسراف في الطعام أو الكلام أو السماع أو النظر؛ لا للمحرمات، فهذا أمر مفروغ منه، بل عن الزيادة من المباحات، والأمر الثالث هو ترك ما لا يعني من الشواغل والملهيات، وهذا يمكن تحصيله بالاعتكاف في رمضان في العشر الأواخر بعيدًا عما يشغل الإنسان من متاع الدنيا.
وهناك عدوَّان آخران، وهما النفس الأمارة بالسوء والهوى، ولم يتركنا الشارع هكذا لا نعرف كيف ندفع عداوتهما، بل أرشدنا إلى ما يُستعان به عليهما، فالنفس الأمَّارة بالسوء يُستعان عليها ببناء قلب سليم منعقد على المعروف عامل به منصرف عن المنكر كاره له، أما الهوى فيُدفع ويُغالب بالعقل الذي يعقله ويربطه، فالهوى حيث يهوي بصاحبه إلى المهالك كان لا بد له من رادع يردعه ويعقله عند المصالح.
جوارحك وشهواتك قد تكون عونًا لك في رمضان وقد تكون عدوًا لك بحسب ما تدخله إليها، وبخاصةٍ السمع والبصر لأنهما مناط التكليف، فالله سبحانه يقول في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾، فالإنسان خُلِق للامتحان ولم يُترك هكذا بغير منهج ولا أدوات، فأدواته جوارحه وبخاصةٍ تلك التي تنفذ المدخلات من خلالها إلى القلب مباشرةً فيتغيَّر حاله، وفي رمضان عبادات متصلة متتالية وكثيرة أغلبها قائم على السماع، كسماع القرآن وسماع الدعاء وسماع الصلاة الجهرية وسماع المواعظ، فأي عاقل يستبدل بهذا سماع المنكرات والفواحش!
أما البصر فله شأن عظيم شُدِّد التحذير من إطلاقه في المحرمات لما يترتَّب على ذلك من مفاسد عظيمة لو يعلمها الناس لما استهانوا بإطلاقه هكذا يرتع في كل وادٍ، فالبصر نور القلب وبصيرته ومن طمس بصيرته طُمِس نور قلبه فلا يكاد يعرف حقًّا ولا يُنكر باطلًا، أعمى يمشي متخبِّطًا في ظلمات بعضها فوق بعض معاذ الله.
إن للإيمان حلاوة ولذة لا يذوقها إلى من حفظ جوارحه ودفعها إلى المباح دفعًا وصرفها عن الحرام جِدًّا، فكلها مدخلات وأنت مخلوق أجوف فارغ فانظر بم تملأ جوفك!
الفكرة من كتاب روح الصيام ومعانيه
كثيرة هي نفحات الدهر التي يتودَّد الله فيها لعباده، يتودَّد ليعطي ويسبغ فضله وكرمه وعطاءه، ومن أعظم هذه النفحات شهر رمضان شهر القرآن شهر الإحسان، بل شهر الأقدار والتغيير الحقيقي والقرارات الحاسمة، فَيَا بَاغِيَ الخير أَقبِل ويَا بَاغِيَ الشرِّ أَقصِر.
مؤلف كتاب روح الصيام ومعانيه
عبد العزيز مصطفى كامل،كاتب وعضو مجلس إدارة بمجلة البيان، حاصل على ماجستير ودكتوراه في الشريعة، وللشيخ مؤلفات عديدة ومقالات متنوعة تخدم مجال الشريعة، ومن أبرزها:
العلمانيون وفلسطين: ستون عامًا من الفشل وماذا بعد؟
قبل الكارثة.. نذير ونفير.
معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية.