كل شيء يتكرَّر
كل شيء يتكرَّر
يعدُّ التكرار من أبرز سمات عصر الانحطاط، فأغلب الأشياء حولنا إما نسخة متطابقة أو معدلة قادمة من الماضي، فجميع الأشكال والأنشطة الثقافية والاجتماعية تعبِّر عن نمط متكرِّر ممن يفتقر إلى الثورة الحقيقية، وإذا نظرنا إلى صناعة الترفيه فإننا نجد رغم تطوُّر الوسائل التي تعرض بها السلع والخدمات الترفيهية أن جوهر إشباعها ثابت، فالسينما على سبيل المثال لا الحصر تعيد تدوير الخصائص الفنية للأعمال العظيمة السابقة بدلًا من صياغة أو خلق عمل أصيل.
حتى أغلب الأفكار التي تقدم على زعم أنها تقدمية ما هي إلا محاولة لإعادة تدوير وضع تحن إليه ذكرياتنا، كعصر ذهبي قديم أو مرحلة من السيطرة، وإذا استثنينا من ذلك النمط المتكرر شيئًا فإننا سنختار التطور الملحوظ الذي تعرَّض له مفهوم الإلحاد والمثلية في طريقة تقديمه إلى العالم عبر الثقافة والممارسات الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات بجانب ثقافة هوليود.
ولكن هذا يقف أمام ثورة العالم الرقمي مطلع القرن الحادي والعشرين، خصوصًا في بداية صعود شركاته ونغمة الابتكار الباهرة، والتي سرعان ما استقر الأمر لها وبدأ عصر الهيمنة والاحتكار، وإجهاض أي محاولة لتغيير السوق مثل أي صناعة في العالم، كما أنها قامت بتسطيح الأعمال الثقافية الكبيرة إذا أرادت الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لتحقيق التسلية والمتعة ولفت الانتباه، فعلى المحتوى الجاد أن يخلع رداءه على أعتاب التكنولوجيا.
في ظل التكرار المنحط تنمو النزعة التدميرية، بسبب انتشار اللاجدوى والإحباط، وعجز العالم عن تقديم النظام البديل لليبرالية الديمقراطية التي خسرت التوتر والتناقض؛ الميزتين الدافعتين للإبداع والتمرد.
الفكرة من كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
عند ذكر كلمة انحطاط، يتبادر إلى الأذهان التدهور والفساد الأخلاقي، وانغماس الأفراد في المتع والملذَّات دون معنى أو جدوى، ولكن إذا وسَّعنا أفق رؤيتنا ونظرنا إلى الحضارة في ضوء كلمة انحطاط، فإننا سنضمُّ الجوانب السياسية والاجتماعية والتكنولوجية إلى الأخلاقية، وسنحصل عندها على مفهوم شامل لكلمة انحطاط.
يعني الانحطاط في الحضارة التوقُّف عن التقدُّم بسبب فقدان الطاقة، والعمد إلى استهلاك واستنزاف الموارد الطبيعية بلا هدف واضح، وغرق المجتمع في العبث واللاجدوى، ووقوع المؤسسات في التكرار، ولكن كيف تجمع الحضارة الحديثة بين سمات الانحطاط ومعدلات تقدُّمها؟ وهل يقودنا الانحطاط إلى بداية التأخر والتخلف؟ أيمكننا تفادي تلك الظاهرة أم أنها حتمية؟ وما الذي يمكن أن يمثِّل الحل في الخروج من مرحلة الانحطاط؟
مؤلف كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
روس جريجوري داوثت: كاتب ومدوِّن أمريكي شهير في صحيفة نيويورك تايمز، الصوت الأكثر شهرة عن تيَّار اليمين المحافظ الأمريكي، كما أن له خبرة سابقة كناقد سينمائي، ومن أهم أعماله: “الدين السيئ كيف أصبحنا أمة من الزنادقة”، و”الامتياز: هارفارد وتعليم الطبقة الحاكمة” .
معلومات عن المترجم:
عبدالمنعم المحجوب: باحث لغوي ومفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب”، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
وشارك في التأليف: أنس المحجوب.