كعب بن مالك يروي محنته
كعب بن مالك يروي محنته
يحكي الصحابي الجليل كعب بن مالك (رضي الله عنه) بعد أن كبر في السن وعَميَ؛ واقعة حدثت له في عصر النبوة حيث دعى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسلمين للنفير إلى تبوك، وكان ذلك وقت جني الثمار فلم يتسع الوقت لجني الثمار والمال، وظهر ذلك جليًّا في تسمية جيش تلك الغزوة بجيش العُسرة لعدم توافر الأموال لتجهيز الجيش، وقرر كعب (رضي الله عنه) البقاء لجمع المحصول ثم اللحاق بالجيش بعد أيام دون التخلُّف عن الغزوة، فما زال كذلك حتى فاته الجيش وما لحق به وبقي يأسف لما وصل به الأمر، وفي تبوك كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد سأل الصحابة فقال: “ما فعل كعب؟”، ولم يسأل (صلى الله عليه وسلم) عن غيره، فلما رجع الجيش احتار كعب بن مالك (رضي الله عنه) أيُحدِّث النبي (صلى الله عليه وسلم) حديث صدق مهما كانت العواقب أو يختلق عذرًا كما يفعل أهل النفاق ويخرج من ذلك الموقف بالكذب؟
لقد علم كعب (رضي الله عنه) أنه لو كذب على النبي (صلى الله عليه وسلم) لنزل الوحي يبيِّن ذلك الكذب، وعلم أنه ليس له أن ينال الرضا في الدنيا ويكون في الآخرة من الخاسرين، فاختار الصدق وأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بما صنع، فكان الأمر النبوي بأن ينتظر كعب حتى يقضي الله فيه، ونهى النبي (صلى الله عليه وسلم) المسلمين عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه ممن تخلَّفوا عن الغزوة، وظل الأمر كذلك لخمسين ليلة وقد تطوَّر الهجر في الليلة الأربعين، فقد عايش كعب (رضي الله عنه) تلك التجربة واستفاد مما مر به ثم نقله إلينا في ذلك الحديث الذي رواه الإمام البخاري (رحمه الله).
الفكرة من كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
تشتد الأزمات والصعاب على نفس الإنسان، ولربما كان اليأس أقرب إليه من شِراك نعله مع تجذُّر الهشاشة النفسية في النفوس حاليًّا، وقد يهرب الناس من الصدق إلى الكذب فرارًا من عواقب الصدق دون اعتبار لقيمة الصدق ومحاسن عواقبه الأخرى، وقد يجد بعضهم في المصائب كل الشر وأنه ما من خير فيها قط، وبعضهم يُقعِده الخطأ عن مواصلة المسير، ولو عددنا ما يعتري الإنسان في مواجهة الصعاب لاحتاج ذلك إلى مجلدات، ولكننا في هذا الكتاب نجد تجربة عجيبة للصحابي كعب بن مالك (رضي الله عنه) حدَّث بها كيف بدأت؟ وإلى أي شيء انتهت؟ وقد نُقِلت إلينا لنستفيد منها ونتعلَّم الدروس.
مؤلف كتاب إلى من ضاقت عليه نفسه
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية بالسعودية، وشغل منصب وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم، ووكيل مركز الدعوة وعميد شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية.
ومن مؤلفاته: “مشاهدات في بلاد البخاري”، و”أعذار المتقاعسين”، و”أليس في أخلاقنا كفاية”.