كسر القيود.. تحرير الفطرة
كسر القيود.. تحرير الفطرة
حرية العقل مبدأ مؤسس له منذ فجر الإسلام، حتى جانب الغيب في هذا الدين كان أقل وطأة على الذهن البشري من الأديان التي سبقته، فلم يُختبر أهل الجزيرة بمعجزات قاهرة كما ابتلي اليهود والنصارى من قبلهم، واتفق الفقهاء على أن التقليد لا يقبل في مسألة الإيمان إلا من السذج والبلهاء، كذلك لا يكره غير المسلمين على دينهم، وهل امتلكت الأديان الثلاثة في بداية دعوتها قدرة على الإكراه؟ بل كانوا هم المُكرهين، والمُستجيب لهم حكم على نفسه بالنبذ والعدوان، ولم تُشرع عقوبة الارتداد إلا عندما بدأ اليهود باتخاذها وسيلة لتخذيل الناس، وتهدئة تلك الأفواج المهرولة إلى الإسلام، فلم يكن الأمر مجرد مُفارقة للدين مع كف الأذى عن المسلمين، بل مُظاهرة بالعدوان.
وقد عانت المسيحية في عصرها الأول من وطأة الطغيان الروماني، واستمر هذا الطغيان حتى بعد رفع المسيح عليه السلام، ولم يكتف المتجبرون إلا بذهاب بعض المسيحية أو جميعها، ولكن هل يُترك الناس تحت التعسف والطغيان؟ وهم محكومون وتبع لإرادة غيرهم، وتدافُع الناس سنة الله في أرضه، فالعدل أن يُمكن الناس من أنفسهم، ثم يُتركوا ليدركوا الحق أو يجحدوه فتثبت عليهم الحجة.
ثم يبقى السؤال بماذا يُلاقي المسلمون عدوهم؟ الإسلام لا يتبع منهج القوة الباطشة، العمياء عن ثقافة الشعوب الأخرى، لقد جاهد المسلمون الأوائل لرفع سلطان البشر عن الناس وإدخالهم في سلطان الله، لم يكونوا ملوكًا أو أمراء حرب، فالوضع العام هو البر والمودة بين المسلمين وغيرهم من أفراد مجتمعهم، إذًا فالإسلام عندما يعلن القتال فغايته إنهاء البطش وإخماد الفتنة أو رد العدوان، ولذلك كانت حروب النبي ﷺ وأصحابه، فلم يترك لهم عدوهم خيارًا إما أن يقاتلوا وإما أن يُبادوا، إذًا فأولئك المشركون لم يرضوا بوضع الإسلام ويتركوا كل رجل وحاله، فاختاروا لأنفسهم العداوة وحكموا على أقوامهم بالحرب.
الفكرة من كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
ليست ظاهرة الاستبداد بالحدث الطارئ في التاريخ الإسلامي، فقد اختبر المسلمون الحكام المستبدين أكثر من أي نوع آخر، وأحدث هؤلاء الحكام العديد من الأفعال التي صارت بعدهم قوانين تطغى على الدين وتهمل وصايا النبي ﷺ، وقد زاد الاستعمار الحديث الأمر وبالًا، فاختلط الأمر على القوم، وظنوا أن منبع هذا الاستبداد من الدين نفسه، لادعاء هؤلاء الحكام خلافته في الأرض.
هنا يحاول الشيخ أن يرد الأمر إلى حقيقته، ويبين موقف الدين تجاه هذه النماذج، وكيف تعامل معها المسلمون طوال تاريخهم.
مؤلف كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
محمد الغزالي: داعية ومفكر إسلامي، وأحد أشهر الدعاة في العصر الحديث، ولد في إيتاي البارود بمحافظة البحيرة عام 1917 م، ختم القرآن بكتاب قريته في العاشرة من عمره، تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وحصل على درجة العالمية وهو في السادسة والعشرين، درس في العديد من الجامعات الإسلامية، كجامعة الأمير عبد القادر في الجزائر، وجامعة أم القرى في مكة، توفي عام 1996 م في المملكة العربية السعودية، له العديد من المؤلفات الهامة؛ منها:
الإسلام والمناهج الاشتراكية.
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث.
فقه السيرة.