كأنه يتنزَّل من جديد
كأنه يتنزَّل من جديد
وأما عن أصل الذِّكْر كما ذكرنا وهو القرآن الكريم الناسِخ لما سبقه من الكتب السماوية الخاتم لها، والمليء بالأسرار والأخبار، وهو الذي لا ينضب خيره ولا تنتهي عطاياه، ولا يزال المسلمون يفتشون في أسراره ويستخرجون درره ولطائفه جيلًا بعد جيل، فلن تُحرم من أجر تلاوته وتدبره إن قرأته في أي وقت كان ولكن كما أن هنالك أماكن لها ميزة عن غيرها وتعلوها في الفضل فهنالك أيضًا أوقات تتفضل على غيرها في الأجر.
فالقرآن في وقت المساء في آخره وفي أول الصباح مثلًا ليس كغيره من الأوقات، وفي وقت الأصيل أيضًا وهو ما بين العصر والمغرب فهو وقت تسجد فيه المخلوقات لله سبحانه، وهو وقت الذاكرين المخلصين الذين يريدون وجه الله تعالى وحده، وهو وقتٌ كان يجتمع فيه نبي الله داوود (عليه السلام) مع الجبال والطير يذكرون الله ويسبحونه، وأما عن قرآن آخر الليل فذلك وقت آخر مقدس يسكن فيه الكون كله وتختلي فيه بنفسك ويصبح للقرآن وقعٌ آخر على روحك كأنه يتنزَّل عليك من جديد لأول مرة، وفي ثلث الليل الأخير يتنزَّل الله سبحانه للسماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وعظمته فهو وقت حريٌّ بأن تقصده بوِردك.
والصلاة بالقرآن خير من تلاوته مجردًا من الصلاة، ولو بآيات قليلة دائمة، ولقد جاء في الحديث أن من قام بعشر آيات في صلاة الليل لم يكن من الغافلين ومن قام بمائة كُتِب من القانتين ومن قام بألف كُتِب من المقنطرين، وأما عن ختم القرآن ونصيب وِردك منه فورد في السُّنة أن الأفضل أن يُختم ما بين شهر وأربعين يومًا، ولقد كان الصحابة (رضوان الله عليهم) يحتفلون بختم القرآن في منازلهم ومن ذلك أن أنس بن مالك (رضي الله عنه) كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم.
الفكرة من كتاب ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله
العبد في هذه الحياة مسافر سائر إلى الله تعالى وهو في سفره هذا مُحتاج إلى زادٍ دائم ولو كان قليلًا، زادٌ من عند الله يعينه ويثبته ويذكره إذا نسي، فالملهيات كثيرة والمشتتات تلتهم حياته وتسرق عمره والصوارف عن الطاعة تتطور حينًا بعد حين، لذا لزمه مُعين ومهوِّن وضابط.
عن هذا الزاد وأنواعه وفضله، وكيف يجعل العبد لنفسه منه نصيبًا، ومتى يتحراه وممن يأخذه، يمدُّ الكاتب يده بهذا وأكثر مزودًا هذا السائر المسكين بما يحتاج إليه حقًّا في سفر الحياة.
مؤلف كتاب ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله
فريد الأنصاري: كاتب وعالم دين وأديب مغربي، وُلد بإقليم الرشيدية جنوب شرق المغرب وتوفي في تركيا لكنه دُفن في المغرب.
حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من جامعة السلطان محمد بن عبد الله بمدينة فاس في المغرب، وكان عضوًا برابطة الأدب الإسلامي العالمية وأستاذًا بمركز تكوين الأئمة والمرشدات بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمدينة الرباط. من أهم كتبه ومؤلفاته:
مفهوم العالِميّة.
كاشف الأحزان ومسالح الأمان.
هذه رسالات القرآن فمن يتلقاها.
الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب.