قُبيل الانطلاق
قُبيل الانطلاق
استمر العمل عند الحاج عبد الفتاح خمس سنوات حصل فيها على راتب مرضٍ طالب بزيادته عندما أقدم على الزواج وهو في سن الثامنة عشرة، كانت “هانم” نعم الزوجة والكنة، جمعت البيت والأخوة وآمنت بقوة الأسرة، فكانت خير سند لزوجها ومنزلها الذي دبرت أمره جيدًا بأقل القليل دون كلل أو استدانة، وعلمت ذلك لأبنائهما فلا اعتراض على طعام، ولا شراء بالأقساط، فالعيش والشراء على قدر الامتلاك، كذلك ساوت بين البنات والأولاد في أعمال المنزل، وحرصت كل حرصها على تعليم أبنائها، ووصل رحمها، ومساعدة المحتاجين.
رغم إعفاء مواليد 1933 لكن لتقدير إلهي تم طلب “محمود” للخدمة العسكرية، فقضى ثلاث سنوات وخمسة أشهر عسيرة، وبخاصةٍ أنه شهد العدوان الثلاثي بما تحمله الحرب من ألم وقسوة، خرج من التجربة بدروس أهمها سرعة النهوض بعد السقوط دون ترك نفسك لوساوس المؤامرات، فنجاحك هو مسؤوليتك وحدك، ولا نجاح لمشروع دون تدريب مضنٍ لكل فريق العمل، وامتلاكك أدواتك ومعداتك في يدك.
بانتهاء الجيش عاد العربي إلى عمله السابق وقابل فيه صديقه “عنتر عبد الوهاب” مندوب المبيعات المحترف، الذي شاركه الصلاة في المسجد والأحاديث والأحلام والخبرات، ولم ينقصهما سوى رأس المال الذي توافر بعد مرور ست سنوات بشراكة مع رجلين قادمين من الصعيد شاركا بالمال –أربعة آلاف جنيه مصري- وشارك الصديقان بالإدارة والتنظيم، وثق الرجال الثلاثة في محمود وفطنته، فقد قام باستئجار محل في الموسكي قريب من شركة النصر بمبلغ ألفي جنيه خلو قدم، وأجرى بعض التوضيبات بمبلغ خمسمائة جنيه، ثم أخبر صديقه أنهما لن يشتريا البضاعة بما تبقى من المال، بل سيودعانه الخزنة ولن يمساه، أما البضاعة التي يريدون ملء المحل بها فسيعتمدون فيها على سمعتهم الطيبة بين التجار، وبالتالي سيأخذان ما يشاءان منها كأمانات، وسيستعينان بمنهجية عم رزق في البيع، فانصاع له عنتر بكل ثقة.
الفكرة من كتاب سر حياتي: حكاية العربي
من طفل يتاجر في قروشه المعدودات إلى ملياردير جل همه توظيف أكبر عدد من العاملين ليكون لهم عونًا وسببًا بعد الله (عز وجل)؛ إنه رجل الأعمال المصري والاقتصادي المحترف، رئيس اتحاد غرف تجارة مصر “محمود العربي”، الذي أسر الجميع بحسن خلقه وأسسه القويمة، مع انتماء غير مسبوق إلى أصله البسيط ونشأته الدينية في قرية أبو رقبة بالمنوفية، كتب قصته مذ كان في الخامسة من عمره بشقاء وكد لا يعرف الاستسلام، وبتضحيات حقيقية تخلو من كل رياء وتكلُّف وزهو، بل يزينها الصدق والأمانة وحفظ الحقوق كمفاتيح سرية لكسب القلوب ونيل البركة، وقد نجح في ذلك حتى كانت جنازته (رحمه الله) مهيبة غير مسبوقة يعتصرها الألم على المفقود، وها نحن نستدرك أجزاء من حياته علَّنا ننتفع بما تركه من أثر طيب ومنهاج في الإدارة والأخلاق والتجارة على حد سواء، ثم نترحَّم عليه وندعو له بخير الجزاء، فسيرته الحسنة هي رزق من الله لعبده، وعمر آخر لا يفنى بفناء الجسد.
مؤلف كتاب سر حياتي: حكاية العربي
خالد صالح مصطفى السيد: كاتب ومهندس ومستشار إعلامي من مواليد القاهرة عام 1962، حاصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة عام 1985، وقد شارك في كثير من الأعمال متباينة المجالات كوضع مناهج تربوية وبرامج ترفيهية وتنموية لعدد من رياض الأطفال بالقاهرة، وكتابة السيناريوهات والمسرحيات والمقالات وتنفيذ ورش العمل الفنية والتنموية، فضلًا عن مهام الإشراف على تطوير مجلة نقابة المهندسين المصرية.