قياس الإبداع
قياس الإبداع
بيَّنت الدراسات السيكولوجية الحديثة أن كل عبقري مبدع وليس كل مبدعٍ عبقريًّا، لأنه لا بدَّ للعبقرية من إنتاج أدبي مُعترف به، وللمبدعين خصائص منها أنهم أعلى إحساسًا بوجود مشكلة وأكثر وعيًا للأخطاء؛ ولديهم فرصة أكبر لخوض غمارها وابتكار الحلول بما عندهم من قدرة عالية على توليد الأفكار وتقويمها وتطويرها ووضع صياغات واضحة لها، كما يتسمون بالمرونة العقلية ومقاومة الجمود والتصلب، وهي الركيزة المهمة في الإبداع، ومن سماتهم أيضًا القدرة على التركيز على شيء واحد ومقاومة التشتتات، وبذل جهد طويل المدى في الهدف الواحد، والدافعية للإنجاز والعمل والرغبة في اقتحام المجهول والأخطار ومواجهة التحديات والصعوبات.
أما عن القياس النفسي للإبداع فقد بدأ على يد جيلفورد خلال الحرب العالمية الثانية لاكتشاف الجنود ذوي القدرات الإبداعية وتلاه والاش وتورانس، ثم اتسعت المقاييس وصارت أكثر تخصصًا حتى وضعت مقاييس للإبداع في مجالات نوعية كالعلم والتكنولوجيا والتمثيل والأدب، وتتنوع المقاييس بين لفظية وشكلية، مثل طلب اقتراح استخدامات لأشياء غير استخداماتها الشائعة، ومثل “مقياس النتائج البعيدة” الذي وضعه جيلفورد، حيث يُطلب كتابة النتائج البعيدة المتوقعة التي قد تحدث لموقع غير اعتيادي، أو وضع اسم واحد لمجموعة من الأشياء المختلفة عن بعضها، أو اختيار تكميل الأشياء أو تأليف قصة أو خبر من مجموعة من الأشكال والخطوط، وكلها اختبارات فردية تميل إلى إثارة الخيال وإطلاق الطاقة الإبداعية، ويحصل الأغلبية من الناس على درجات متوسطة، أما الدرجات المرتفعة فهي نصيب المبدعين.
ويتساءل بعض الناس لماذا ينبغي وضع مقاييس للإبداع ما دام يمكن اللجوء إلى رأي النقاد؟ تكمُن الإجابة عن هذا السؤال بأن أحكام النقاد تتعلق عادةً بإنتاج محدد وظاهر، لكن الاختبارات تُركز اهتمامها على النشاط العقلي والإبداعي ذاته، لذا تكشف عن الإمكان الداخلي والاستعداد النفسي بخاصة في حالة صغار السِن، كما أنه يمكن معرفة مدى فاعلية وكفاءة هذه الاختبارات وصدق نتائجها بمقارنتها بآراء الخبراء والنقاد، وقد كانت للمعايير التي وضعتها شركة مايكروسوفت في اختيار موظفيها أثر كبير في نبوغ بيل غيتس وظهور عبقريته.
الفكرة من كتاب الحكمة الضائعة
ما زلنا نقرأ في سِيَر المشاهير من المبدعين والعباقرة في مختلف المجالات ما اعترض حياتهم من مس الجنون والأمراض النفسية والاضطرابات الوجدانية والسلوكية؛ فقد حكى العقاد معاناته النفسية التي مر بها خلال شبابه، وروى أنيس منصور محاولة انتحاره، وعانى الشاعر عبد الرحمن شكري الاضطرابات الوجدانية حتى رُمى بالجنون، وقضت مي زيادة حياتها الأخيرة في مشفى العصفورية للأمراض النفسية.
وخارج حدود الوطن العربي الأمر أوضح؛ فقد كان سلوك كلينتون تجسيدًا لمرض انفصام الشخصية، وضَرَب الاكتئاب والاضطراب النفسي عددًا من مشاهير الأدب والسياسة أمثال أبراهام لينكولن وتشرشل وثيودور روزلفت وكافكا وڤان جوخ، وختم نيتشه حياته بالجنون، كما أنهت فيرجينيا وولف حياتها بالانتحار.
فهل هناك صلة حقيقية بين الإبداع والمرض النفسي؟ أم أن الإبداع نفسه هو شكل من أشكال الجنون كما يزعم بعض أتباع المدرسة الفرويدية؟ أم ربما لكاتبنا رأي آخر يدحض كل هذا بناء على براهين علمية ودراسات مثبتة؟
مؤلف كتاب الحكمة الضائعة
د. عبد الستار إبراهيم: كاتب وأستاذ علم النفس الإكلينيكي ورئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب بجامعة الملك فيصل، واستشاري الصحة النفسية بمستشفى الملك فهد، وعضو في جمعية الصحة العقلية التابعة لمنظمة الصحة الدولية وجمعية الصحة النفسية الأمريكية.
مُنح الكثير من الجوائز لإسهاماته العلمية الرفيعة، ونشر نحو مئة من الأبحاث والمقالات في مجلات علمية مختلفة، وللكاتب مؤلفات قيمة، أبرزها:
أسس علم النفس.
الإنسان وعلم النفس.
القلق قيود من الوهم.