قوميات لغوية
قوميات لغوية
فكِّر جيدًا.. كيف يُمكن جمع عدد من الناس لم يكن بينهم أي رابطة جغرافية، ولا حضارية، ولا اقتصادية، ولا ثقافية، ولا سياسية؟
هكذا كان يهود العالم.. لم يكن هناك أي رابطة تستطيع جمعهم وتوحِّد قوميتهم، إلا أن الأدب الصهيوني قد لعب دوره في إحياء اللغة العبرية، فبعد أن كانت لغة دين قديمة يستخدمها اليهود في طقوسهم الدينية، أصبحت الآن لغة قومية يجتمع عليها اليهود.
فقد كان اليهود يتكلَّمون بلغة البلد الذي يعيشون فيه، وبالتدريج دُفِعت اللغة العبرية إلى اليهود دفعًا بصورة برَّاقة لتتجدَّد على ألسنتهم من جديد، فارتفع شعار “آخر يهودي وأوَّل عبري” الذي طرحه “آحاد هعام” في دعوته للاندماج لدى يهود أوروبا الشرقية، والذي تردَّد معناه في الوسط الثقافي اليهودي، فقد ذكره “آرثر كوستلر” في روايته “لصوص الليل”، فيقول على لسان بطل الرواية: “لقد أصبحت عبريًّا لأنني أكره اليهودية”، كما ذكرته “يائيل دايان” في روايتها “طوبى للخائفين”، كما مُنح “شموئيل عغنون” جائزة نوبل سنة 1966م لأنه قام بتوظيف اللغة العبرية وحدها في مؤلفاته.
وقد استطاعت الصهيونية تكوين رابط قومي وديني في قالب واحد باستخدام اللغة العبرية كلغة قومية، فاللغة العبرية هي لغة الدين؛ فيمكن إذًا توظيف الدين من خلال اللغة للأغراض السياسية، فالأدب العبري كان أدبًا دينيًّا قديمًا، ثم بدأ تدريجيًّا ليكون أدبًا سياسيًّا، أبطاله يتكلَّمون بالعبرية لكنهم بلا أهداف دينية.
وهذه الفكرة عبَّر عنها “روبن وولنرود”، إذ يقول: “فالبطل اليهودي لم يغِب عن الأدب العبري في فترة التيه، ولكنه كان نموذجًا دينيًّا، لأن الأدب العبري كان أدبًا دينيًّا في ذاته وحوافزه وأهدافه، والذي فعلته الصهيونية في هذا النطاق هو أنها وظَّفته في ميدان سياسي.
الفكرة من كتاب في الأدب الصهيوني
لم تظهر الصهيونية بين عشيةٍ وضحاها وسط العرب، فاحتلال الأرض هو المرحلة الأخيرة بعد احتلال كثير من الأشياء أولًا، مثل احتلال الأفكار والأذواق والآراء، حينها يتسع المجال لاحتلال الأرض!
إن الصهيونية قد لعبت دورها في “الأدب” قبل “السياسة”، فبالأدب تستطيع تغيير الأفكار وتزييف الحقائق حتى تقوم سياسيًّا على زيف وباطل دون أن يقف أمامك الكثير، فما كان مؤتمر بال سنة 1897م إلا ولادة الصهيونية السياسية التي مهَّدت لها الصهيونية الأدبية، ولأن كاتبنا مُميَّز بقلمه وعقله، فقد قام بتتبُّع الأدب الصهيوني الذي كُتِب لخدمة حركة الاستعمار سواء من يهود أو متعاطفين معهم لفترات طويلة مُبيِّنًا كيف لعب على الحقائق وزوَّرها ليُخرج أجيالًا مُضلَّلة ثقافيًّا، ترفض الحقيقة، وتُمهِّد للصهيونية أغراضها.
مؤلف كتاب في الأدب الصهيوني
غسَّان كنفاني: روائي وصحفي فلسطيني، وُلد في عكا الفلسطينية عام 1936م، أُجبِرت عائلته على الانزياح إلى لبنان ثم إلى سوريا بسبب الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين، عاش في دمشق ثم انتقل إلى الكويت وعمل فيها مُدرِّسًا، وبعد ذلك انتقل إلى بيروت حتى عام 1972م، حيث استُشهِد في انفجار سيارة مفخَّخة على أيدي عملاء إسرائيليين.
كان غسان عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورئيس تحرير مجلة الهدف، ويعتبر أحد أشهر الكتَّاب والصحفيين العرب في القرن العشرين.
صدر له أكثر من 18 كتابًا، وعدد كبير من المقالات، إضافة إلى إنتاج غير مكتمل، ومن أبرز مؤلفاته:
“أرض البرتقال الحزين”، و”رجال في الشمس”، و”أم سعد”، و”عائد إلى حيفا”.