قول الحقيقة للسلطة
قول الحقيقة للسلطة
كيف يخاطب المثقف السلطة؟ ماذا يفعل لكي يحافظ على إيمانه بمبادئه واستقلاله أمام المغريات الكبيرة التي تتمثل في كونها وسائل لا بد من استخدامها لإيصال رسالته وصوته إلى الجماهير؟
يتحرك المفكر باستمرار بهدف توسيع قاعدة مستمعيه وإحراز أهداف صغيرة تخدم مخططه الرئيس، فلا تكون العلاقة بينه وبين السلطة علاقة فعل ومكافأة، بل يتمسك بحرية الرأي كجوهر أساسي لقضيته الرئيسة التي لا تقبل التنازل أو المساومة بأي شكل من الأشكال، محاولًا تحقيق التوازن بين التمرد الكامل والخضوع الواضح، ولا تقتصر حدود حرية الرأي على بيئة دون أخرى أو ثقافة محددة فقط، فلا قدسية لآراء السلطة ومعاييرها وقيمها، مع وجوب الإيمان بالتعدد والاختلاف دون ترتيب أو مفاضلة أو تمييز.
ولكن أي معايير أو قيم عالمية يستمد منها المفكر أو المثقف شرعية رسالته؟
يتجه المثقف ناحية التراث الإنساني بدلًا من الوحي المقدس، فالمبادئ العالمية متمثلة في معايير السلوك العالمي وإعلان حقوق الإنسان لجمعية الأمم المتحدة وكل الاتفاقيات الرسمية حول قواعد الحرب ومعاملة السجناء والأسرى وحقوق الطفل والمرأة والعمال واللاجئين وغيرها، تعتبر من المعايير النظرية، ويسعى المثقف إلى المطالبة باتساق المعايير العملية مع المعايير النظرية، بدلًا من اتباع السلطة لمعايير خاصة في سلوكها تحقق لها مصالحها وتبقيها قدر الإمكان
المثقف أو المفكر الحديث مهما تعددت المواهب التي يتمتع بها وزادت دائرة معارفه وإطلاعه.. فإن اهتمامه وتركيزه يظل محدودًا، فلا يستطيع التركيز على كل القضايا بمختلف تنوعاتها، أو يدرس ويحلل وينقد ويبدي رأيه في الموضوعات التي تدور على الساحة العامة كلها، فمن الأولى أن يستثمر تركيزه في القضايا التي تمس بشكل مباشر آلام مجتمعه وتعبر عن تطلعاته، ويراقب ممارسات السلطة في تلك القضايا، محاولًا أن يتجنب ظهوره بشخصية سياسية يهمها تحصيل الرضا وتفادي القضايا الصدامية.
الفكرة من كتاب المثقف والسلطة
لمتابعيها مادة علمية رصينة ممتعة تحت اسم “محاضرات ريث”، وتعرض لهجوم ومعارضة كبيرين لموقفه الناقد لسياسات الولايات المتحدة ودفاعه عن القضية الفلسطينية.
فمن هو المثقف أو المفكر إذًا؟ وما رسالته ومسؤوليته التي ينبغي له تأديتها؟ ما التحديات والقيود التي تقف أمامه لأداء رسالته؟ وكيف تطور صراعه مع السلطة وتنوعت أشكاله؟
هذه الأسئلة الكبرى التي حاول إدوارد سعيد تقديم الإجابة عنها عبر استعراض تحليلات لعدد من المثقفين أو المفكرين ثم الإدلاء بدلوه في كل قضية منها.
مؤلف كتاب المثقف والسلطة
إدوارد سعيد، مفكر وباحث فلسطيني حامل للجنسية الأمريكية، ولد لأسرة مسيحية بالقدس في نوفمبر عام 1935م، تخصص في دراسة الأدب الإنجليزي وحصل على شهادة الدكتوراه فيه بجامعة هارفارد عام 1964م، وعمل أستاذًا بجامعة كولومبيا لمدة 40 عامًا.
يعد من أقوى الناشطين المنتقدين لسياسات الولايات المتحدة وإسرائيل الخارجية، ممثلًا الصوت الأقوى في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ظل نشاطه كبيرًا متمثلًا في تجوله بين عدد من الجامعات الكبيرة وتقديمه عددًا كبيرًا من المحاضرات في مجالي السياسة والفكر، حتى توفي عام 2003م بعد صراع دام لعشرة أعوام مع اللوكيميا.
من أهم أعماله وأكثرها تأثيرًا كتاب الاستشراق، الذي انتقد فيه الصور النمطية التي قدمها الاستشراق الغربي عن الدول العربية والإسلامية، وتمييزها المعرفي والعرقي الذي اعتبره تسويغًا للإمبريالية.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمد عناني، أديب وكاتب مسرحي ومترجم، ولد بالبحيرة عام 1939م، حصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة القاهرة عام 1959، والماجستير من جامعة لندن عام 1970م، وعلى الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام 1975.
له أكثر من 130 كتابًا باللغتين العربية والإنجليزية ولقب بعميد المترجمين.