قوة الآخرين الناعمة
قوة الآخرين الناعمة
أمريكا ليست منفردة في الساحة الدولية بالقوة الناعمة بل يشاركها آخرون مثل الاتحاد السوفييتي الذي سعى لإقناع العالم بثقافته وأيديولوجيته والترويج لها، وأثبت تفوقه العلمي والتكنولوجي حتى زعم السوفييت أن الشيوعية هي اشتراكية علمية، ولم ينافس أمريكا في الثقافة الشعبية لطبيعته المنغلقة، والحقيقة أنه لم يوسع من قوته الناعمة واتباعه سياسة الانفتاح إلا في عهد غورباتشوف، كما أن الدعاية السوفييتية لم تكن منسجمة مع سياستها الداخلية والخارجية إثر تباطؤ النمو الاقتصادي وفضائح ما بعد التخلُّص من النزعة الاستالينية وغزو هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا.
ارتكزت القوة الناعمة في أوروبا على الشؤون المتعلقة بالبيئة وحقوق الإنسان واللغة فأصبحت نصف لغات العالم أوروبية، وقدَّمت ثقافة عالمية جذابة بشقَّيها، كما أصبحت رمزًا للسلام والازدهار، وسياستها الخارجية في حلِّ المشكلات العالمية والمحلية أصبحا محل إعجاب أكثر من أمريكا، ونجاحها في العمل التعاوني ولَّد لديها قوة اقتصادية وناعمة، إضافةً إلى إنفاقها في برامج التبادلات الثقافية العالمية والدبلوماسية العامة، ولكن مع ذلك فإن أوروبا ساعدت أمريكا بشكل غير مباشر على نشر قيمها وثقافتها بتشجيعها للديمقراطية وحقوق الإنسان.
دول آسيا، وعلى رأسها اليابان التي أثبتت تفوُّقها العلمي والتكنولوجي وحافظت على ثقافتها وقدَّمت نموذجًا فريدًا من نوعه في الأساليب الفنية للإدارة والبراعة التصنيعية، ما زالت تواجه مشكلات حدود القوة الناعمة كمقاومتها للهجرة، وأحد أهدافها في القرن الحالي هو إعادة اختراع نفسها، أما بالنسبة للصين والهند فهما يليان اليابان في المرتبة لنموِّهما الاقتصادي، وتضع الصين حدودًا للقوة الناعمة بمحاربتها للتأثيرات الفكرية الخارجية، وتعاني الهند الإفراط في البيروقراطية، إضافةً إلى فساد حكومتيهما، وتعاني سياستاهما الخارجية صراعاتٍ بسبب أزمتي تايوان وكشمير.
الفاعلون من غير الدول التي أدَّت ثورة المعلومات إلى انتشارهم بزعم أنهم يمثِّلون مصلحة عامة، وهي منظمات ومؤسسات عابرة للحدود تضم مواطنين ذوي مناصب سياسية عليا من بلدان مختلفة، ما يجعل الحكومات تركِّز على قضاياها، ولها دور في جذب ولفت انتباه الرأي العالمي وتتمتَّع بعض المنظمات غير الحكومية بالمصداقية المحلية والعالمية وأخرى لا تستطيع الحكومات تجاهلها حيث بإمكانها حشد المظاهرات ضدها.
الفكرة من كتاب القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية
إن القوة الناعمة مصطلح صاغه جوزيف ناي لأول مرة في كتابه “ملزمون بالقيادة”، وهي متاحة للجميع وتستثمرها الدول بشكل يحقِّق لها أهدافها عن طريق الجاذبية والإقناع بدلًا من الإرغام والرشاوى، وهي الوجه الآخر للقوة الصلبة، ويدور هذا الكتاب حول مصادر القوة الناعمة الأمريكية وسلوك الولايات المتحدة في استخدامها، والمنافسين لها في الماضي والمستقبل، ولكنها تعتمد على البراعة والمهارة في سلوكها وليست العبرة بالدول الصغيرة أو الكبيرة.
مؤلف كتاب القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية
جوزيف ناي: (ولد في 19 يناير 1937) أمريكي وأستاذ العلوم السياسية، تولَّى عدة مناصب رسمية منها مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة بيل كلينتون ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني.
ومن مؤلفاته: “مستقبل القوة”، و”فهم النزاع الدولي”، و”قوة القيادة”.