قوةُ السِياق والظروفُ المُحيطةُ بالرِسالة
قوةُ السِياق والظروفُ المُحيطةُ بالرِسالة
ينصُّ هذا المبدأُ على أن الظرفَ والأحوالَ المُحيطةَ بالعدوى، تلعبُ دوراً مُهماً في انتشارِها؛ فالمحيطُ والزمانُ كما يؤثرانِ على الأمراض، يؤثران على الأفكار، وأيُّ فكرةٍ قد تكونُ ضعيفةً أو قوية، بحسَبِ سِياقِها.
تَعني قوةُ السِياقِ أيضًا، أنه يمكنُنا تغييرُ مَواقِفنا؛ اعتمادًا على السِياقِ الواردةِ فيه الفكرة، ولا يمكن نشرُ الفِكرةِ إذا كان السِياقُ لا يُسهِمُ في النشر.
على سبيل المثال، لن تنتشرَ قِصةُ عيدِ المِيلاد في شهر يونيو، كما لو كُنّا في شهرِ ديسمبر، أي أنّ النجاح، مُعتمدٌ على الموسمِ المُناسِب.
تعدُّ نظريةُ النوافِذِ المكسورةِ لعُلماءِ الإجرام، جيمس ويلسون وجورج كيلينج، مثالًا على تأثيرِ قوة السِياق.
مبدأ “النافذة المكسورة”، ينصُّ على أنه يكفي أن تتكسّرَ نافذةٌ في مبنىً وتبقى مكسورةً لبعضِ الوقت؛ حتى تسوءَ حالةُ باقي المبنى بشكل سريع. بِعبارةٍ أخرى؛ النافذةُ المكسورةُ الأولى، تُعطي الانطباعَ بأنّ المبنى مُهمل، وتوفِّرُ بيئةً تَسمحُ بتفشي ظاهرةِ تخريب باقي المبنى.
إن الجريمةَ ناتجةُ عن الفوضى، لأن البيئةَ المُتّسِخة وغيرَ المُنظّمَة؛ تنقِلُ رسالةً من التساهُلِ، وعدمِ الانضباط، وانعدامِ السيطرة، والتي تُشجِّعُ على التصرُّفاتِ المُخالِفة، ومثلُ هذه السُلوكيات، تميلُ إلى التكاثُرِ، وتخلقُ ميلًا اجتماعي.
هكذا تبدأ الجرائمُ في الانتشار؛ عندما يُهمِلُ المجتمعُ بعضَ الظواهرِ البسيطة، والتي تُشيرُ إلى عدم اكتراثِ المجتمع؛ فما يَلْبَثُ أن تـتفشى فيه الجريمة؛ وهكذا يتمُ انتشارُ التدخينِ مثلاً، والانتحارِ وجرائمِ إطلاقِ النارِ في المدارس الأمريكية، وجرائمِ محطاتِ القِطارِ وغيرِهَا.
لوقْفِ الجريمة، بدلاً من استخدامِ رجالِ الشُرطةِ العُنف، تم تخصيصُ مواردَ لإزالةِ الكتابةِ من على الجُدران. إذا تعرّضَ القِطارُ للتّخريِب، يتمُ إعادةُ الطِلاءِ في اليوم التالي. استغرقَ الأمرُ ما يَقرُبُ من 5 سنواتٍ لتنظيفِ جميعِ القِطارات.
كانت الكتابةُ على الجُدران رمزًا لمدينةٍ في حالة انهيار، ولكن عندما رأى الناسُ إعادةَ الإعمارِ وإعادةَ التنظيم، انتصرتِ المعركةُ ضِدَ التخريب.
الفكرة من كتاب نقطة التحول
أُسندت لمالكوم جلادويل مُهمةُ تغطيةِ وباءِ الإيدز، عندما كان يعملُ كمراسلٍ للواشنطن بوست، وفي عام 1982م، رأي كيف حدثت نقطةُ تحولٍ شنيعةٍ لوباء الإيدز، عندما خرج من كونه مرضًا يعاني منه أفرادٌ عددُهُم محدود، لكونه وباءً عالميًّا.
بعدها نشرَ جلادويل مقالًا أسماه “نقطة التحول”، قارَنَ فيه بين الظواهرِ الاجتماعيةِ والأوبئة، وقام بتحليلِ الأفكارِ التي ينتشرُ من خلالِهَا شيءٌ جديد؛ ليصل إلى الجميع.
فهو يرى أن الظواهرَ الاجتماعية تُشبِهُ الأمراض، يمكن للتغيُّراتِ الطفيفةِ في البيئة، أن تؤثرَ بقوةٍ على انتشارِها.
لو حلّلنا السُلوكَ الجماعيَّ للأفراد؛ سنجدُ ظواهرَ كثيرةً مُشابِهةً لما يمكنُنا أن نسميَه “الوباءُ الاجتماعي”، يتم فيها الإقبالُ غيرُ العادي على كُتبٍ مُعينة، أو أفلام أو برامج كسناب شات وإنستجرام وغيرها، فهي النقطةُ التي يصلُ فيها المُنحنى إلى ذُرْوَتِه، وعندها لا يُمكن لأي شيءٍ آخر منعُ تكاثرِ الفِكرة.
مؤلف كتاب نقطة التحول
مالكوم جلادويل هو صحفي إنجليزي/كندي، ومؤلف لعدد من الكتب، تصدرت جميعها قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا.
كتبه ومقالاته غالبًا ما تتحدث عن التدخلات غير المتوقعة للبحوث العلمية، لا سيما في مجالات علوم الاجتماع والنفس والنفس الاجتماعي.