قلوبٌ تحمل الجبال
قلوبٌ تحمل الجبال
قال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وفي الصحيحين في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنَّة بغير حساب: (هم الذي لا يسترقون، ولا يتطيَّرون، ولا يكتوون، وعلى ربِّهم يتوكلون)، فالتوكُّل نصف الدين، ونصفه الآخر الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكُّل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة، والتوكُّل من أعمِّ المقامات تعلُّقًا بالأسماء الحُسنى، لهذا فسره بعض الأئمة بأنه المعرفة بالله.
والتوكل درجات، فأول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكُّل معرفةٌ بالرب وصفاته، والدرجة الثانية هي إثبات الأسباب والمُسببات، ثم الثالثة وهي رسوخ القلب في مقام توحيد التوكُّل، ثم الرابعة وهي اعتماد القلب على الله واستناده إليه، ثم الخامسة وهي حسن الظن بالله تعالى، ثم السادسة وهي استسلام القلب به، ثم الساعة وهي التفويض وهي روح التوكُّل، والثامنة أنه إذا وضع قدمه عليها انتقل إلى درجة الرضا وهي ثمرة التوكُّل.
ثم منزلة الصبر، وهي نصف الإيمان، فالإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله، وثمة تقسيم آخر للصبر وهو صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله، وإذا جمع العبد في قلبه التوكُّل والصبر حصل له الرضا، ومن أعظم أسباب حصول الرضا أن يلزم ما جعل الله رضاه فيه، وليس شرط الرضا ألا يحس بالألم والمكاره؛ بل ألا يعترض على الحُكم ولا يتسخَّطه، وثمرة الرضا الفرح والسرور بالرَّب تبارك وتعالى، فتأتي منزلة الشكر وهي من أعلى المنازل، والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبُّه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وألَّا يستعملها فيما يكره.
وتأتي منزلة الحياء، وهو خلق يبعث على ترك القبائح ويمنع التفريط في حق صاحب الحق، ثم منزلة الصدق والتي هي أساس بناء الدين، ودرجته تالية لدرجة النبوَّة، والصدق يكون في الأقوال والأعمال والأحوال، وأعلى مراتب الصدق: مرتبة الصديقيَّة، وهي كمال الانقياد للرسول (صلى الله عليه وسلم) مع كمال الإخلاص للمُرسل.
الفكرة من كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
يقول ابن القيِّم (رحمه الله): “إن حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله، ومحبَّتهِ، والإنابة إليه، والتوكُّلِ عليه”، فكيف لهذا القلب أن يحيا تلك الحياة دون أن يعرف خالقها؟ دون أن يعرف العبد ما يحيا به قلبه؟ دون أن يعرف كيف يتصل هذا القلب بربِّه ويتعبَّد إلى مولاه؟ فإن السائر إلى الله تعالى مفتقرٌ في سيره إلى ما يُصلح قلبَه ويُزَكيه، وقد ألَّف ابن القيِّم (رحمه الله) كتابه مدارج السالكين في الحديث عن هذا السَّير.
وقد قام الباحثون بتهذيب الكتاب في كتاب “تقريب مدارج السالكين”، ثم هذَّبوه لمزيد من التقريب في “الإكسير”، والذي يُعد خلاصة خلاصة مدارج السالكين، لتيسير الاستفادة منه لشريحة أوسع من القراء، فحرِّر قيود روحك وانطلق آمنًا مُطمئنًا أيها السالك في طريق الله!
مؤلف كتاب الإكسير: خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين
مجموعة من الباحثين وهم: الدكتور صالح بن عبد العزيز المحيميد، والأستاذ تركي بن عبد الله التركي، والدكتور حازم بن عبد الرحمن البسام، والدكتور فهد بن محمد الخويطر، والأستاذ محمد عبد الله الحميد.