قلبٌ سليم
قلبٌ سليم
إن القلب السليم مِفتاح الخير، وسلامة القلب هي أول محطةٍ ينبغي أن يمر بها من يسلك الطريق إلى الأنس بالله عز وجل؛ لأن صلاح العمل لا يكون إلا بصلاح القلب، والإيمان يسبق العمل، وأمراض القلوب حُجُبٌ تحجب الإيمان واليقين وتمنعهما من دخوله، ومن امتلأ قلبه بحب الدنيا أو بالكِبر أو بالحسد والحقد فليس له أن يستغرب عدم قدرته على الانتصار على الشهوات ووساوس شياطين الإنس والجن، وأنه لا يجد لذة الصلاة أو لا يقوى على قيام الليل وطلب العلم.
ويذكرُ لنا الكتاب ثمانية أمراضٍ تمنع سلامة القلب، أولها وأشدها فتكًا هو الشركُ بالله، ويعني تعلُّق القلب بغيره سبحانه حبًّا أو توكلًا أو رجاءً أو خوفًا، وضده التوحيد وهو أعظم وسيلة يصل بها العبد إلى الأنس بالله وإلى سعادة الدنيا والآخرة، ولا يتحقق التوحيد فقط بالإقرار بأن الله هو الخالق وأنه رب كل شيء، بل يتضمن محبة الله وطاعته والتذلل له، وألا يستعين المرء إلا بالله ولا يطمئن ويسكن إلا إليه، وألا يخاف المرض لأن الشفاء بيده سبحانه، وألا يخاف الفقر لأن الرزق بيده عز وجل، وهكذا في كل جوانب الحياة يجاهد المرء نفسه ليحقق التوحيد.
والمرض الثاني هو الحقد، والمقصود به بُغض المسلم بسبب مصالح دنيوية، والمؤمن العاقل لا يشغل قلبه بما يكدره وينشغل بغرس حسنات يحصدها في الآخرة لا يسمح للتوافه أن تلهيه عن طريقه، أما المرض الثالث فهو الحسد وهو تمني زوال النعمة، ولا ينعم المرء بسلامة الصدر ولا بكمال الإيمان إلا إذا أحب الخير لغيره، وعلامة ذلك أن تمدح من يستحق المدح وتفرح إذا سمعت من يمدحه، وأن تبذل الأسباب التي تجعل أقرانك أو طلابك أفضل منك، وألا تكتم عن أحد سبيلَ نجاحٍ أو خيرًا تعرفه.
والمرض الرابع هو الشُح والبخل وضده الإيثار، أما الخامس فهو الكِبر أي رفض الحق واحتقار الناس وشعور المرء بأنه أفضل منهم، والسادس هو حب الرياسة والعلو، والمرض السابع حب الشهرة والحرص عليها من دون مصلحةٍ دينية، أما المرض الثامن فهو حب الدنيا بجعلها غايةً والفرح والتعلُّق بها.
الفكرة من كتاب الأنس بالله تعالى
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِه، ِوَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ”.
في هذا الكتاب، يأخذنا الكاتب أحمد بن ناصر الطيار في رحلة نسعى فيها إلى ذلك الأنس، وتلك السعادة، فنتعرف على طريق الوصول إلى الأنس بالله ومراحله وهي سلامة القلب من الأمراض، والتعلُّق بالله والإقبال عليه، وإحسان العمل والمسارعة في الخيرات، ونتعرف أيضًا على بعضٍ مما يُفتح للإنسان من خير حين يسير في ذلك الطريق.
مؤلف كتاب الأنس بالله تعالى
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وله العديد من المؤلفات، منها: “بوابة الخشوع في الصلاة” و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه” و”حياة السلف بين القول والعمل” و”صناعة طالب علم ماهر” و”صناعة خطيب ماهر”.