قطاع النسيج يقود البلاد.. تجارة تتلذذ بالكوارث
قطاع النسيج يقود البلاد.. تجارة تتلذذ بالكوارث
لقد سار قطاع الغزل والنسيج على خطى الصناعات الأخرى نفسها تقريبًا، ولكن المختلف هذه المرة هو التحول الصناعي الواضح الذي أدخله هذا القطاع على البلاد، كانت جذور صناعة الغزل والنسيج موجودة بالفعل في سويسرا منذ القرون الوسطى لكن بطابع منزلي، لم يكن للأقطان أو الحرير أي وجود مؤثر في الأسواق حتى بدايات القرن الثامن عشر، نعم، إنهم المهاجرون مرة أخرى، أتى الفرنسيون والإيطاليون هاربين من الاضطهاد الديني، واتجهوا نحو سويسرا بتجارتهم وخبرتهم في هذا القطاع.
لكن العزلة التي اعتدنا مدح سويسرا بها، كلفتها الكثير هذه المرة؛ لقد تراجعت الصناعة التقليدية أمام الآلات الحديثة في إيطاليا وإنجلترا، وسَرعان ما تآكلت حصة سويسرا من السوق، وكان هذا إيذانًا للسويسريين بالدخول في عصر المصانع، اشتدت المنافسة مع الاقتصادات الناشئة، ذات الأسعار الدنيا، ورأى السويسريون المستهلكين يزهدون حريرهم، لكن كالعادة كانت هناك قلة من الذين صمدوا ونجوا، وأدركوا أن بقاءهم في السوق مرهون بتلك الطبقة العليا التي استهدفتها سويسرا دائمًا.
قطاع آخر غزته العقول السويسرية، لكنه مجهول بالكامل، لم يشهد القطاع الطبي نموًّا مؤثرًا في الاقتصاد السويسري حتى بضعة عقود مضت، يمكننا إسناد هذه الطفرة إلى الخبرة التي كانت موجودة منذ القِدَم في السوق السويسرية، الدقة المفرطة ومنهجية تصغير كل شيء، لقد كانت ثقافة موجودة عند صانعي الساعات بالفعل، وعند الحاجة، كان على رواد القطاع الطبي تكييفها فقط مع الصناعة الجديدة، يمكننا القول إن السويسريين أثبتوا أنفسهم في هذا القطاع منذ انفصاله عن الكنيسة، لقد استمروا في الابتكار ولم تتوقف أفكارهم أمام التحديات الكبرى والتقنيات المعقدة التي ظهرت مع الطب الحديث، لقد تناقل حرفيو الساعات وصانعو السكاكين طِبَّ العصور الوسطى، حتى سلموه إلى رواد الصناعة الحديثة.
كانت التقنيات الجديدة لا تعرف حدودًا، وبذلك أصبح المظهر وكيفية إخفاء الأجهزة المحمولة محل المنافسة، وهنا استعان السويسريون بسادة هذا المجال، وخبراء الذوق الرفيع، أصدقائنا صانعي الساعات، ويمكنك الآن أن تتوقع أن الأمر لم يستغرق كثيرًا حتى أدرك الساعاتية أن بإمكانهم الربح من هذا القطاع أيضًا.
الفكرة من كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
كان وضع سويسرا قبل الثورة الصناعية ومستقبلها في وسط أوربا مشكوكًا فيه طوال الوقت، بلد يفتقر إلى الكثير من مقومات الحضارة، ليس لديه ثروة طبيعية يُمكن الاعتماد عليها، سلاسل جبلية تقف عائقًا أمام أي اتصال حقيقي، وتفقد البلاد الكثير من ميزات موقعها الاستراتيجي.
ربما كان غياب الهدف وانعدام الأمل في المستقبل هو ما أسس لمجتمع سويسرا الريادي؛ لا وجود لتوجيهات أو حواجز، ولا رؤية عامة تحدد اتجاه الاقتصاد، أو رعاية حكومية تستهدف قطاعات معينة، يسرد لنا المؤلف تاريخ هذه الرحلة، ويجيب عن السؤال الأهم: هل مستقبل سويسرا الريادي ملهم كماضيها؟
مؤلف كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
آر جيمس برايدنج: كاتب ورجل أعمال سويسري، حصل على شهادة الماجستير من كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أسس شركة “رينيسانس كابيتال” الاستثمارية في زيورخ، كتب عديدًا من المقالات حول سويسرا لدى جريدة “ذي إيكونوميست”، وشارك في تأليف كتاب “سويسرا معجزة الاقتصاد”.
عن المترجم:
بسمة الجويني: مترجمة ومعلمة لغة عربية تونسية، وحاصلة على درجة الماجستير في الترجمة.