قصة التهديد
قصة التهديد
كانت رياضة صيد الصقور في العصور القديمة مقتصرة على الملوك والطبقات النبيلة، وقد بلغت أوجها في القرن الثامن عشر باعتبار استخدام البنادق والشروع في صيد الصقور رمزًا للرجولة، ومعيارًا تنافسيًّا بين أصحاب الأراضي والضياع الذين انشغلوا بامتلاك واستعراض أكبر قدر من الأسلحة المستخدمة، أي أنها صارت رياضة النخبة المقتدرين داخل مجتمعات أوروبا، وكانت حجتهم أنها حيوانات مفترسة فلا جرم من اصطيادها، أدى الاستمرار في صيد صقور الشاهين إلى فقدانها قيمتها ومكانتها بين الملوك والدبلوماسيين.
في القرن التاسع عشر تحوَّلت تلك الرياضة إلى مهنة معترف بها في بريطانيا، وقد أقسم حينها مربو الصقور والمزارعون على قتل كل صقر في أي مكان كان، هكذا انتشرت جثث الصقور المصلوبة، وصار بعضها نصبًا تذكارية تعرض في الأماكن العامة، وفي الخمسيينات والستينيات كانت هناك مكافآت تقدَّم مقابل صيد وقتل الطيور المفترسة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية وخلال القرن التاسع عشر حتى العشرين أعلن علماء الحكومة مشروعية قتل كل طائر مفترس، وازدادت تلك الدعوات في فترة الركود الاقتصادي لأنها عُدَّت كائنات مدمِّرة للمحاصيل وبخاصةٍ صقر الشاهين الأمريكي، واستثنوا من ذلك الصقور المقتاتة على الفئران والضفادع باعتبارها ذات فائدة مالية كصقر الجيرفالكون الملتهم لأربعة فئران، وفي فترات الحروب تمَّت المتاجرة بالصقور وبيعها كمصدر للربح، فضلًا عن تناقص أعدادها كجزء من السلسلة الغذائية التي يقتات عليها حيوانات أخرى كالراكون، وكذلك كان للمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية خاصةً مبيد “DDT” دور في تناقص الأعداد إلى النصف وانقراض أنواع كاملة، وصارت بعض الإناث تقتات على بيضها.
بدأت عمليات إنقاذ الصقور وبالتحديد صقر الشاهين بشكل فردي، كقيام العالم “جوزيف هاجر” بوضع صقر ليحمي بيوض صقر الشاهين من المتربِّصين، وقيام العالم “آرثر آلن” بكتابة سيرة ذاتية عن صقر الشاهين في مجلة دراسة الطيور للشباب مصورًا إياه كرمز للرومانسية، وهكذا توالت الدعوات لرفع الوعي والاهتمام وتغيير النظرة الوحشية تجاهه، ثم بدأت المنظمات المهتمة بالبيئة بالظهور في الصورة حينما أدرك العلماء حديثًا أن لكل مخلوق دورًا في المجتمع الطبيعي لا يمكن إلغاؤه ولا تهميشه.
الفكرة من كتاب الصقر
كتاب الصقر هو واحد من مجموعة كتب جمعتها سلسلة تتناول الحيوانات بشكل مفصَّل، أي إنه دراسة لكل ما يتعلق بالصقور من منظور تاريخي ومجتمعي وحتى رمزية استخدامه في السياسة وعبر الأزمان، فلطالما ارتبطت الصقور في أذهاننا بالصلادة والقوة كعلامة لا تستغني عنها الجيوش أو حتى المحاربين منذ عصور مضت، علاوة على كونها رمزًا للنبل والملوكية عند بعض الشعوب كأوروبا مثلًا، وقد اتخذ البعض من صيدها هواية لعلية القوم، وآخرون امتهنوا تدريبها وبيعها بهدف الاسترزاق، هذه الأنشطة تحاربها قوانين منظمات البيئة في الوقت الحالي لما سبَّبته من تهديدات بانقراض أنواع كاملة.
ولأجل حب البشر وتعلُّقهم بالصقور لم تغفل الكاتبة الحديث عن كينونة هذا الكائن جميل الشكل مهاب الهيئة عند الشعوب والثقافات ودوره في تراث الأمم ومعتقداتها وبخاصةٍ في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي، وكيف استحال ذلك مادة خصبة لنسج القصص والأساطير التي تداخلت مع الأدب والفنون.
مؤلف كتاب الصقر
هيلين ماكدونالد: عالمة الطبيعة وكاتبة وشاعرة ومؤرخة ورسامة من مواليد عام 1970م في المملكة المتحدة، عملت زميلة أبحاث في كلية جيسوس ، وفي أبحاث الطيور الجارحة وتدريب الصقور “صقارة” ومشاريع الحفاظ على البيئة في جميع أنحاء أوراسيا، وهي عضو في قسم التاريخ وفلسفة العلوم بجامعة كامبريدج، كما سبَق لها العمل في عدد من منظَّمات حماية الصقور في بريطانيا والإمارات العربية المتحدة، لها من الأعمال:
H is for Hawk
Vesper Flights
Recovery: Vintage Minis
Through the Wire
Etruscan Reader I