قراراتنا بين العقلانية والعشوائية
قراراتنا بين العقلانية والعشوائية
تذكر معي المرة الأولى التي اشتريت فيها هاتفًا، أتوقع أنك بحثت كثيرًا في الأنواع والأسعار المختلفة حتى اتخذت قرارك وتم الشراء، ثم ماذا؟ بعد سنوات طالت أم قصرت احتجت إلى تغيير هاتفك فأخذت تبحث مجددًا لتختار في النهاية هاتفًا لا يختلف سعره كثيرًا عما قبله، وهنا دعني أتساءل، لماذا لم تستوقفك سوى الهواتف المتقاربة السعر مع هاتفك القديم؟ ولماذا نفرت من الأخرى ذات الفوارق الكبيرة؟ حسنًا، هذا ما يُسمى الارتكاز، إذ تشكل قراراتنا الأولى تأثيرًا طويل المدى في كل القرارات التي تليها، فأول سعر تدفعه في منتج ما يتحكم بشكل كبير في ما أنت مستعد لدفعه للمنتج نفسه أو حتى للمنتجات ذات الصلة عبر السنوات الكثيرة القادمة..
ما يعني أن أول سعر هو مرتكزنا في اتخاذ القرار. والجدير بالذكر أنه ليس من السهل الإفلات من تأثير القرارات الأولى، وأن صداها يظل يتردد عبر وقت طويل، وهذا يدعونا إلى الحرص والتأني عندما نتخذ قرارًا لأول مرة، ويدعو كذلك إلى فحص دوافعنا لاتخاذ القرارات الحالية، فربما هي نتاج أخطاء قديمة ونحن ننساق وراءها بلا دراية.
وفي الحقيقة يبدو أننا نحتاج إلى الحرص في كل مرة نتخذ فيها قرارًا، وخصوصًا إذا كان في وجود مثير معين، لأننا نتمتع بعقلانية مثيرة للإعجاب ما دمنا هادئين وجالسين باسترخاء في مقاعدنا، ولكن ماذا عن لحظات الانفعال والإثارة؟ نجد أن عقلانيتنا تتبخر ونتصرف بطرق غير متوقعة بل ومخالفة لما نؤمن به. فكم مرة قررت الالتزام بنظام غذائي صحي ولكن انهارت قواك أمام وجبة شهية؟ مرات كثيرة أليس كذلك؟ إذًا، ما السر هنا؟ السر أننا ننسى أهدافنا طويلة الأمد ونستسلم أمام المتع الآنية، ثم نتعهد بأن نبدأ من الغد ويأتي الغد لنجدنا واقعين في شرك المتع الآنية مجددًا، وهكذا نستمر في حلقة مفرغة من المماطلة والتأجيل.
وإذا أردت الخروج من هذه الحلقة فعليك بتبسيط أهدافك وجعلها متناسبة مع قوتك وإرادتك، وأن تجزئ الهدف الطويل الأمد إلى مجموعة أهداف صغيرة تتابعها أولًا بأول، وأن تضيف متعًا ولو بسيطة للعادات التي تلتزم بها، حتى تتمكن من المداومة عليها. فمن خلال ربط شيء مفيد لكنه ثقيل على النفس بشيء آخر تحبه ستزداد قدرتك على الالتزام وضبط النفس. ومن المهم أيضًا أن تتأنى ولا تتخذ أي قرار تحت وطأة المشاعر والانفعالات وأن تتأكد من موافقته لمبادئك وشخصيتك، وأنه ليس محض تصرف عشوائي لا واعٍ.
الفكرة من كتاب توقع لا عقلاني.. القوى الخفية التي تشكل قراراتنا
هل فكرت من قبل لماذا تقرر البدء في حمية غذائية ثم بعد يومين تنهار قواك أمام وجبة شهية؟ ولماذا تتسم أفكارك بالعقلانية ما دمت هادئًا وجالسًا في مكانك، بينما مع أول انفعال تفقد عقلانيتك وتتصرف بطرق لا تتوقعها؟ أو هل فكرت في قدرة المنتجات المجانية على جذبك وعلو المنتجات الباهظة الثمن في نظرك؟ حسنًا، عندي لك سؤال أخير، هل خطر ببالك كيف تؤثر الاختيارات المتعددة والتوقعات المختلفة في قراراتنا؟ سواء فكرت بذلك كله أم لم تفكر فأنا على ثقة بأنك ستنظر إلى هذا كله بشكل جديد ومختلف تمامًا بعد أن تتعرف معي أفكار هذا الكتاب وإجاباته.
مؤلف كتاب توقع لا عقلاني.. القوى الخفية التي تشكل قراراتنا
دان آریلي: أستاذ علم النفس والاقتصاد السلوكي في جامعة ديوك وحاصل على درجة الدكتوراه في كل من علم النفس المعرفي وإدارة الأعمال. نشرت أعماله في العديد من المجلات العلمية البارزة والمؤسسات الإعلامية الشهيرة مثل: New York Times وWashington Post وScientific American وScience. ومن مؤلفاته:
The (Honest) Truth About Dishonesty: How We Lie to Everyone – Especially Ourselves
The Upside of Irrationality: The Unexpected Benefits of Defying Logic
Misbelief: What Makes Rational People Believe Irrational Things