قادة أم جبابرة؟
قادة أم جبابرة؟
إنَّ الإنسان كيان مليء بالأضداد وعالم تتلاقى قيه المتخالفات.. وعلى قدر التوازن بينها تطمئن حياته ويطيب معاشه، ومن هذه القوى المتنافرة في الإنسان قوتان: الأولى حبه الظهور والميل إلى الرياسة والاعتداد بالفخر، والثانية حاجته إلى الالتزام بعقيدة والخضوع لإرادة أقوى والانضواء تحت سلطة. ولكل قوة أثرها في حياة الفرد والمجموع؛ فمن الأولى أن يتغلَّب المرء على الصعوبات ويدافع عن الكيان ويؤثر الاستقلال، ومنها كذلك حب السيطرة على الأشياء والسيادة على الأشخاص، وهي بارزة في الزعماء والحكام، ومن تطرُّف هذه القوة ينشأ الطغاة الجبابرة، ومن الثانية يحصل الاعتقاد في نظام يحكم الكون وتكمن الرغبة في الالتزام بقانون والانتظام في شريعة، والإنسان محتاجٌ إلى توازن هاتين الغريزتين فيكون عنده من الاعتداد بالنفس واحترامها ورفض الاستسلام وعدم الاستخذاء والتطلع إلى معالي الأمور والبعد عن سفاسفها، ولديه -في الوقت نفسه- قدر من الخضوع لحفظ المعتقد وتماسك النظام، والعصمة من الاستبداد والقهر.
وقد سار هدي القرآن بأجلى أشكال التوازن بين القوَّتين؛ فأمر بطاعة الرسول وقرنها بطاعته سبحانه، ذلك لما تقتضيه طبيعة القيادة وسَوْس الناس، لكنه في الوقت نفسه ليس متسلطًا عليهم ولا حافظًا لأعمالهم؛ لئلا يحسب أحدٌ أو يزعم له شيئًا من خصائص الربوبية أو الإلهية، وإنما هو بشر مثلهم مبلغٌ عن ربه ما يهديهم، وهكذا صنع القرآن قادة لا جبابرة، فدانت لرسول الله الرقاب لكن ظل كما هو نبيًّا قائدًا لا ملكًا مرهوبًا، وهو القائل عن نفسه: “أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة”، ويرفض أن يُقبِّل الناس يده كما يفعل الأعاجم مع ملوكهم.
الفكرة من كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
هذا مبحث في السمات القيادية للرسل الذين صنعتهم العناية الربانية؛ فعصمتهم من الزلل ومن الضعف البشري أمام الشهوات وأهواء النفوس؛ فكانوا قدوةً لغيرهم، ونموذجًا يجب تطبيقُه في سياسة الجماعة وإدارة الحُكم، وهو ضِمن سلسلة من هدي القرآن التي التزم فيها المؤلف طريقةَ التفسير الأدبي الذي يُعنى بالتدبير النفسي والاجتماعي للحياة الإنسانية، ويقصد الموضوعات القرآنية دون التقيُّد بالأجزاء والسور؛ ثقةً بعظمة التدبير القرآني وصلاحيته لكل الظروف والأزمان.
مؤلف كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
الشيخ أمين الخولي أديب ومفكر ومناضل ثوري شارك في ثورة ١٩١٩، وزوج الأستاذة عائشة عبد الرحمن؛ وُلد عام ١٨٩٥ بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وتخرَّج في مدرسة القضاء الشرعي وعُيِّن مدرسًا بها، ثم إمامًا للسفارة المصرية في روما، وأسَّس جماعة الأمناء ومجلة الأدب وكانت له جهود تجديدية كثيرة، وكانت المؤثرات الغربية الحديثة ظاهرة في بعض أفكار الخولي، وقد أثارت رسالة “الفن القصصي للقرآن” لمحمد أحمد خلف الله -والتي أشرف عليها الشيخ وأيَّدها- جدلًا واسعًا، وخلقت أزمة بينه وبين الأزهر، وقد توفي الشيخ أمين عام ١٩٦٦ ودفن في قريته شوشاي.