في معنى التدبُّر
في معنى التدبُّر
يقول الله تعالى: ﴿أفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ وتدبُّر القرآن يشمل عدة أمور: فيكون بمعرفة معاني الألفاظ ومُرادها، وبالتأمُّل فيما تدل عليه الآيات، مما يفهم من السياق أو تركيب الجُمل، ويكون باعتبار العقل بحججه، وتحرُّك القلب ببشائره وزواجره، وبالخضوع لأوامره، واليقين بأخباره.
وتوجد بعض المُفرادت المُتعلِّقة بالتدبُّر، تُقاربه في معانٍ وتفترق في أُخرى، ومن تلك المُفردات: الفهم؛ ويعني العلم بمعنى الكلام، والفقه؛ ويعني العلم بمقتضى الكلام على من تأمله، والفِكر: ويعني إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة، وكذلك التفكُّر والتذكُّر، والفرق بينهما أن التفكُّر يفيد تكثير العلم، واستجلاب ما ليس حاصلًا عند القلب، والتذكُّر يفيد تكرار القلب على ما علمه وعرفه ليرسخ ويثبت، فلا يذهب أثره عن القلب، فالتفكُّر يُحصِّل العلم والتذكُّر يحفظه. ومن المُفردات المُتعلِّقة بالتدبُّر: الاعتبار؛ وهو من العبور لأنه يعبر منه إلى غيره، فيعبُر من ذلك الذي قد فكَّر فيه إلى معرفة ثالثة، وأخيرًا مُفردة الاستبصار، وهي تعني تبيِّن الأمر وانكشافه، وتجليه للبصيرة.
فنُلاحظ أن التدبُّر هو أن ينظر الإنسان في عاقبة الأمر والتفكُّر فيه، ثم يُعيد النظر مرة بعد مرة، ويقول الهروي -رحمه الله-: “أبنية التذكُّر ثلاثة: الانتفاع بالعظة، والاستبصار بالعبرة، والظفر بثمرة الفِكرة”، فهل نُمارس تلك الأعمال القلبية والعقلية عندما نُقبل على القرآن لنتدبَّر آياته؟
إن القرآن كتابٌ عزيز، يحتاج منا إلى أن نبذل الجهود للحصول على بركته، ونهتدي بهُداه، يقول تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، فهلا اقتبسنا من ذلك النور؟ وهلا ارتوينا من ذلك المورد الجليل؟
الفكرة من كتاب تدبُّر القرآن
حين نتأمَّل في وقع القرآن الكريم على الصحابة (رضوان الله عليهم)، ومُراقبة أحوالهم، وكيف كانوا قبل القُرآن وكيف صاروا بعده، نجد أن للقُرآن سطوة عجيبة! ووقعًا مُختلفًا، فما الفارق بين القرآن الذي نزل فيهم والقرآن الذي بين أيدينا؟ لا فارق.. وإنما هو فارق التلقِّي والتعامل مع القرآن، يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فلم يكن تدبُّر القرآن عند سلفنا الصالح درسًا يُسمع أو كتابًا يُقرأ بقدر ما كان شعورًا ينبض في قلب القارئ وهو يتجه إلى القرآن!
في هذا الكتاب يُجدِّد لنا الكاتب معارف وأحوالًا تجعل القلب يظفر بحياة جديدة مع القُرآن، وسبيل تدبُّره، ليكون قُرَّة العين، وحياة القلب.
مؤلف كتاب تدبُّر القرآن
سلمان بن عمر السنيدي: كاتب ومفكر إسلامي، سعودي الجنسية، قدم العديد من محاضرات التزكية والتعليمية، وله عدد من المؤلفات المُتعلقة بالقرآن الكريم وتدبُّره، منها: “من أجل تدبر القرآن”، و”واقع تدبر القرآن في مدارس التحفيظ”، وكذلك مؤلفات أُخرى ككتاب “التنوُّع المشروع في صفة الصلاة”.