في محل بيع الكتب
في محل بيع الكتب
نترك الآن مراكش ونتوجَّه إلى متجر الكتب على الحدود بين هامبستيد وبلدة كامدن،حيث عمل جورج لبعض الوقت، وفي هذا الإطار يقول أورويل إن أكثر ما كان يلفت نظره هو ندرة الأشخاص المولعين بالكتب حقًّا، بينما كان أغلب الزوار من المتفاخرين بالطبعات الأولى أو النساء الباحثات عن هدايا لأبناء إخوتهن أو الطلاب الذين يساومون على الكتب الدراسية الرخيصة.
لذلك فالكثير من زوار المكتبة كانوا مصدر إزعاج، فبعضهم يحاول بيع كتب لا قيمة لها، وبعضهم مصابون بالارتياب يطلبون الكتب باهظة الثمن ولا يعودون أبدًا بعدها، وبمرور الوقت أصبح من السهل معرفة هؤلاء، فأصبح العاملون يعيدون الكتب إلى رفوفها بمجرد خروجهم، فهم لا ينوون شراء الكتب، وإنما ربما أعطاهم طلب الاحتفاظ بها لهم وهمًا بأنهم ينفقون مالًا حقيقيًّا.
في إطار آخر فمثل أغلب متاجر بيع الكتب المستعملة، كانت المكتبة تبيع بعض السلع الجانبية مثل آلات الطباعة المستعملة والطوابع، على سبيل المثال، لكن السلعة الجانبية الرئيسة كانت مكتبة إعارة الكتب، ووفقًا لأورويل فإنك ترى أذواق الناس الحقيقية وليس أذواقهم المزعومة في مكتبات إعارة الكتب، ومن هنا فقد لاحظ تراجع شعبية الروايات الإنجليزية الكلاسيكية، وكذلك القصص القصيرة، ويلوم أورويل الكتَّاب على ذلك، فأغلب القصص القصيرة الحديثة عندئذٍ كانت في رأيه بلا حياة أو قيمة.
أما بعيدًا عن القراء وطباعهم، فهل كان أورويل يريد الاستمرار في مهنة بيع الكتب؟ الإجابة هي لا، ليس فقط لأن ساعات العمل طويلة جدًّا وبخاصةٍ على رب العمل الذي احتاج إلى تقصِّي الكتب لشرائها، وهي حياة غير صحية، لكن السبب الحقيقي هو أنه بينما كان يعمل هناك فقد عشقه للكتب، إذ إنك حين ترى الكتب مكوَّمة آلافًا في كل مرة، تزيل عنها الغبار وتنقلها ذهابًا وإيابًا تصبح الكتب مملَّة وتتوقَّف عن شرائها، وقد أصبحت رائحة الكتب التي أحبَّها سابقًا تذكِّره بالزبائن المرتابين والذباب الميت.
الفكرة من كتاب لماذا أكتب؟
عندما وصل جورج أورويل في عمر الثامنة إلى مدرسة كروس جيتس، بدأ الطفل في تبليل سريره ومن ثم تلقى العقوبات من ناظر المدرسة السيد سيمبسون الملقب بـ”سيم” وزوجته السيدة سيمبسون الملقبة بـ”بينجو”، وقد تعلَّم جورج من هذه التجربة في صباه ما وصفه بالدرس الدائم، والعظيم أنه كان في عالم حيث لا يمكن أن يكون صالحًا، أما الأثر الثاني لهذه التجربة فقد كان تعلُّمه القبول بالذنب لجرائم لا تخصُّه، وهو شعور بقي يسترجعه وظل موجودًا بذاكرته ربما لعشرين أو ثلاثين سنة.
ومن هذه التجربة كذلك يقول أورويل إن العبث في ذكرياتنا الخاصة يعلِّمنا أن رؤية الطفل للعالم هي رؤية مشوَّهة، آمنَّا فيها بالكثير من التفاهات التي دفعتنا إلى المعاناة لأن الآخرين يستغلون ضعف الصغار وسرعة تصديقهم فيصبُّون عليهم الشعور بالدونية والخوف.
هذه التجربة هي التجربة الأقدم من بين تجارب عديدة وخبرات وآراء كثيرة يرويها لنا جورج أورويل في مقالاته المجمَّعة معًا في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب لماذا أكتب؟
جورج أورويل: هو الاسم المستعار الذي استخدمه الصحفي والروائي البريطاني إريك آرثر بلير واشتهر به خلال مسيرته الأدبية، ولد أورويل في ولاية بيهار الهندية لعائلة من الطبقة المتوسطة، حيث كان يعمل والده في الإدارة المدنية البريطانية هناك، لكنه انتقل بعد ذلك إلى إنجلترا.
درس جورج أورويل في مدرسة إيتون، لكنه لم يتخرَّج فيها حيث اتبع تقاليد عائلته، وانتقل إلى بورما للعمل كمساعد مشرف في الشرطة الإمبراطورية الهندية، وكان لهذه التجربة دور كبير في التأثير في فكره وأعماله الروائية فيما بعد، وقد تزوَّج أورويل من الكاتبة البريطانية إيلين بلير، أو الشهيرة بسونيا أورويل، وله ابن واحد هو ريتشارد بلير.
تُوفِّي الروائي الشهير عن عمر 46 عامًا في أحد مستشفيات لندن بعد صراع مع مرض السل، وقد ترك من خلفه عددًا من المؤلفات المؤثرة في الأدب العالمي، حيث ترجمت إلى العديد من اللغات وأشهرها روايات “1984”، و”مزرعة الحيوان”.
معلومات عن المترجم:
علي مدن: هو كاتب ومترجم بحريني مهتم بالدراسات الثقافية والسينما من مواليد عام 1986، وعمل علي مدن معدًّا للبرامج في تلفزيون البحرين، ونشرت له العديد من الأبحاث والمقالات والترجمات في الصحف البحرينية والخليجية، كما صدر له كتاب “زيارة إلى صالة فارغة”، وترجمة للأعمال القصصية مثل: “نزهة في فناء البيت الأبيض”، إضافةً إلى ترجمته لكتاب “لماذا أكتب؟” لجورج أورويل.