في المعهد الديني
في المعهد الديني
كانت الدراسة في المعهد الديني إلزامية جعلت المؤلف يتعرف على قواعد النحو ومسائل الحساب وحوادث التاريخ، وقد كان اليوم الدراسي يمتد لما بعد العصر فكانت تتخلَّله فسحة طويلة للغداء تفتح في أثنائها المكتبة أبوابها لمن يريد، وكان فيها الجرائد اليومية جنبًا إلى جنبٍ مع المجلات الدينية بالإضافة إلى الكتب كـ”العمدة” لابن رشيق و”الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني، وقد كانت المدرسة تهيئ دروسًا تطوعية للناس جميعًا بمسجد البحر بعد صلاة العشاء فكان يرتادها أكثر اليوم.
وكان هناك شاعر كبير في دمياط يدعى بعلي الغربي يشرف على تحرير جريدة فيجتمع بطلاب المعهد وطلاب المدرسة الثانوية ليستمع لقصائدهم فيتولى تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح وينشر ما يراه جديرًا بالنشر، فحفظ الكاتب ديوان حافظ إبراهيم؛ فبدأ لسانه يجيش بالشعر وحاول نظم الأبيات إلا أنه لم يقدمها للنشر، غير أنه نشر مقالًا في جريدة “الأستاذ” عن جميل بثينة، ثم طلب منه مدير المعهد بعد ذلك إلقاء كلمة الطلاب في الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية.
وانتهت السنوات الأربع في المعهد الديني بدمياط ومنه إلى معهد الزقازيق، حيث كان أهلها أشد احتفالًا بالندوات الأدبية والسياسية من دمياط؛ بسبب وجود الأحزاب السياسية كالوفد والأحرار والجمعيات الدينية كالإخوان المسلمين والشبان المسلمين وجمعية المحافظة على القرآن الكريم وكلٌّ يقيم احتفالاته وندواته، بحيث لم يكن يخلو أسبوع من اجتماع حاشد يُدعى له من القاهرة كبار المتحدثين.
وقد كانت المناظرات الفكرية تعقد بين الأطراف المختلفة منها ما قامت به جمعية الشبان المسلمين من مناظرة اجتماعية تحت عنوان “المرأة والتعليم العالي”، وانتخبت جماعة من المتحدثين فيها ممن يدافعون عن حق المرأة في التعليم (كان المؤلف من بينهم)، وآخرون يرون الاقتصار على التعليم الثانوي إلا كليات الطب والتمريض والتربية ومعاهد التدبير المنزلي.
ومما رفع من ثقة الكاتب بنفسه وأسعده تأليفه لمسرحية “عذاب المستضعفين” التي جمع فيها نفرًا من الصحابة ذاقوا العذاب البالغ على أيدي الكفار كعمار بن ياسر وخباب بن الأرت وبلال ليتحدث كل واحد عما لاقاه، ونشرت بمجلة “مصر الفتاة”، واختيرت في جمعية الشبان المسلمين ليتم تمثيلها في المولد النبوي، وأثنى عليها رئيس الجمعية وحضر جمع غفير لمشاهدتها من طلاب المعهد.
الفكرة من كتاب ظلال من حياتي
كان الدكتور محمد رجب البيومي – رحمه الله – صورة واقعية للمثقف المعتز بتراثه، فقد حقق توازنًا كبيرًا بين دراسته الأكاديمية في الأزهر الشريف، وما أنتجه من شعر وقصة ودراسات أدبية؛ فقد كان واحدًا من جيل الرواد الذين أثروا الحياة الأدبية المعاصرة بالعديد من إبداعاتهم ومؤلفاتهم..
هذه سيرة ذاتية كتبها المؤلف عن نفسه، وذكر فيها أحداث حياته منذ أن كان طفلًا وحتى صار كهلًا، ذاكرًا فيها أحوال عائلته وتعليمه وأصدقائه ومن أثر فيه من الكتاب والشعراء، وكيف استفاد منهم.
مؤلف كتاب ظلال من حياتي
محمد رجب البيومي: عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالمنصورة سابقًا، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس تحرير مجلة الأزهر، وولد عام 1923 في الكفر الجديد بمدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، وحصل على الدكتوراه في الأدب والنقد.
كتب في مجلة الرسالة وكان صديقًا شخصيًّا لأحمد حسن الزيات والإمام عبد الحليم محمود، ومن مؤلفاته: “دمع الحصاد” في رثاء زوجته، و”النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين”، و”حديث القلم”. وحصل على جائزة شوقي بالمجلس الأعلى للآداب والفنون بمصر وعدة جوائز من مجمع اللغة العربية، وتُوفِّي في الخامس من فبراير 2011.