في الجزائر
في الجزائر
دعا ألبير كامو عام 1958 إلى عدم التخلي عن الجزائر لئلا يحل مكان فرنسا محتل آخر؛ وهذه الدعوة المثيرة للسخرية معتدلة بالقياس إلى الضباط الفرنسيين الذين يعتقدون أنهم في حرب مقدسة لحماية الحضارة الغربية، وقد سخر فانون من تقسيمهم الشعب الجزائري إلى ثوار وموالين “عقلاء”! كما فعلت الولايات المتحدة في فيتنام.
لقد أُجبر نحو مليوني عربي على هجر قراهم لقطع اتصالهم برجال جبهة التحرير، وبلغت عمليات القتل الجماعي أحط الدركات ثم تلتها عمليات التعذيب والقتل الممنهج في المعتقلات العسكرية، وكان فانون يراقب ذلك، ويلاحظ حالات الاختلال النفسي التي سببتها المعتقلات، ويراقب كذلك ضياع أخلاقيات مهنة الطب من الأطباء الفرنسيين الذين كانوا يشرفون أحيانًا على عمليات التعذيب! ويرى أن مفكري أوروبا بعيدون كل البعد عن تشخيص الاستعمار كما هو في الواقع.
جمع فانون تجارِب العنف التي شهدها في كتابيه: “دراسات في استعمار ميت” و”في سبيل الثورة الإفريقية”، وعمل عام 1956 في صحيفة “المجاهد” الناطقة باسم جبهة التحرير، وكتب أن كل فرنسي هو رجل تعذيب ما دام الاستعمار، وليس في وسع أي مستعمِر أن يكون بريئًا أو محايدًا ولا أن تُدان العملية الفدائية لجبهة التحرير، لكن نجده يناقض نفسه في مقال آخر مفندًا اتهام جبهة التحرير بأنها لا تفرق بين فئات الأوروبيين في الجزائر، فبأي منطق ينبغي أن يتعامل العربي مع المستعمِر؟ وهل يوقف الكفاح لبعض الطِّيبة من الرجل الأبيض؟!
أما اليسار -الذي عارض عمليات القمع الفرنسي- فقد خان عهوده بمجرد فوزه في الانتخابات، ولم يزد على إطلاق الشعارات، ويتساءل فانون: هل يُوجه الاتهام نفسه للحزب الشيوعي الذي يسانده ملايين العمال والفلاحين الحاملين رسالة ماركس ولينين المناهضة للاستعمار؟ مع المفارقة العجيبة؛ حينما أظهر الحزب الشيوعي السلامَ في الهند الصينية التي تساندها روسيا والصين في حين رفع لواء الحرب في الجزائر، صبَّ فانون مشاعر الغضب والازدراء لليسار الفرنسي كله، حتى صديقه سارتر الذي عاب عليه عدم استنكاره للجرائم؛ وتدافع سيمون دي بوفوار أنه لم يكن في وسع سارتر ما يظنه سارتر.
الفكرة من كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
إنَّ سيرة فرانز فانون تثير الإعجاب والدهشة، لأنها معروفة لدى الأوروبيين أكثر من سكان العالم الثالث والسُّود الذين تبنى “فانون” مشكلاتهم وناضل لأجلهم، وتبعث سيرته على الألم، لأن الاستعباد والتمييز اللذين حاربهما ما زالا ضاربين بجذورهما في ذلك العالم وإن تحورت أشكال العبودية قليلًا.
في هذا الكتاب يعرض لنا الكاتب والمؤرخ ديفيد كوت سيرة الطبيب والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي فرانز فانون، الذي عُرف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز والعنصرية.
مؤلف كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
ديفيد كوت (David caute): مؤرخ وروائي وصحفي بريطاني، وُلد في الإسكندرية عام 1936، ودرس في أكاديمية إدنبره ثم كلية سانت أنتوني في أكسفورد، شغل “كوت” مناصب أكاديمية عدة وعمل أستاذًا زائرًا في جامعات كولومبيا ونيويورك، ورئيسًا مشاركًا لنقابة الكتاب في بريطانيا العظمى، وزميلًا في الجمعية الملكية للأدب.
من أبرز مؤلفاته:
The Essential Writings of Karl Marx
Under the Skin (The Death of White Rhodesia)
Isaac and Isaiah: The Covert Punishment of a Cold War Heretic
معلومات عن المترجم:
عدنان كيَّالي: كاتب ومترجم، له عدد من المقالات والتراجم منها: موسوعة العناية بالطفل.