في البدء كان السؤال
في البدء كان السؤال
ميَّز الله الإنسان بالعقل وحرَّره بالسؤال والاختيار، فالحرية في الإسلام تنبع من صيغ السؤال وحركة العقل نحو المعرفة للاختيار، ولذا ففي البدء قد كان السؤال، فقبل “كُن” كان الخبر: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وجاء سؤال الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾، ثم كانت ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾. ولم يكن طرد إبليس من الرحمة بسبب قوله “لا”، بل لأنه أبى واستكبر وقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾، ثم حسد فقال: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾، وتجاوز وقال: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ﴾، وكان عهد الفطرة الذي أخذه الله من ظهور بني آدم سؤالًا وجوابًا: ألست بربكم قالوا: ﴿بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا﴾..
وتأتي الحرية من التفكر والتدبر والعقل والعمل، لذا فإن “لا” في القرآن تنفي العقل عن الكافرين، وتحث عليه المؤمنين، ويستمر تدفق المعرفة عبر “اقرأ”، وكان السؤال مصدر فهم الوحي وآلة الاجتهاد وهو عكس الاستبداد الذي تخرس به الألسنة وتصبح الطاعة عمياء.
لقد حث الإسلام على السؤال، وقد قبِله الله عز وجل من أنبيائه وعباده، وأمثلة ذلك كثيرة منها سؤال سيدنا موسى ربه أن ينظر إليه؛ فقد قبل منه سبحانه السؤال وأوضح له استحالة ذلك، وضرب للعقل المثال: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وسؤال إبراهيم ربه عن كيف يحيي الموتى؟ فرد عليه سبحانه: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، فكانت نتيجته برهانًا قويًّا.
حتى يوم القيامة لا تنتهي فيه الأسئلة ولا تخرس الألسنة، بل تخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ﴾، فالحرية إذن ليس مركزها اللسان يتفوه بـ”لا” فقط، بل مركزها عقل يطلق أسئلة، وقلب مشحون بأسئلة متجددة تقوي الإيمان، ولذلك كان الفقيه أشد حجة على الشيطان من ألف عابد.
الفكرة من كتاب في ظلال رمضان
يهلُّ على الجميع كل عام شهرٌ فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، أي ليلة بالعمر كله؛ يأتي ليجدِّد للمؤمن عقيدته في أيام مباركة من فريضة وعبادة ومغفرة وتهجُّد..
يكشف لنا هذا الكتاب أن هناك أبعادًا أخرى لرمضان، رابطًا المفاهيم الأخلاقية الفردية والجماعية بالإطار الإصلاحي العام مثل ربط قيم شهر رمضان من تراحم وتكافل وأداء الفرائض الفردية والجماعية بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وما تحدثه العبادة من تغيير في وعي المسلم بالكون والزمن.
مؤلفة كتاب في ظلال رمضان
هبة رؤوف عزت: كاتبة ومدرسة مساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تخصَّصت في موضوعات المواطنة والعولمة وقضايا الفكر الإسلامي والحركات الإسلامية المعاصرة، زميل زائر بجامعة بيركلي في كاليفورنيا، وكلية الاقتصاد بجامعة لندن، ومحاضر زائر للمتدربين من الدعاة بدار الإفتاء المصرية، محرر مشارك لموسوعة أكسفورد عن الإسلام والمرأة الصادرة بالإنجليزية عام 2013م. لها العديد من الكتب والمؤلفات منها:
نحو عمران جديد.
المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية.
الحداثة والسياسة: مأزق النظرية وأسئلة المستقبل.