في الآفاق وفي أنفسهم
في الآفاق وفي أنفسهم
كما تبيَّن أن العبادة تعني كمال المحبة المُفضية إلى الطاعة الكاملة، فإن الإنسان حينما يتأمَّل في نصوص القرآن والسنَّة يجد أن علاقته مع هذا الكون هي علاقة تسخير، والتسخير يعني أن الله (عز وجل) مكَّن للإنسان استخدام مظاهر الكون ليستفيد منها في مجالات حياته، والتسخير لا يكون مجانيًّا؛ بل هناك قوانين لا بد للإنسان أن يُدركها، وكلما أدرك قوانين الكون ازداد يقينه بالله (عز وجل)، وأدرك قدرة الله وعلمه ورحمته، وذلك لأن الكون هو آيات الله في المُشاهدة، كما أن القرآن هو آيات الله (عز وجل)!
لذلك خلق الله (عز وجل) الإنسان بمواهب تساعد على كشف تلك القوانين، فخلق له العقل والسمع والبصر، ليُدرك هذا التكامل العجيب، وليس الكون الخارجي فحسب تظهر فيه آيات الله، بل في الإنسان نفسه، ولذلك يقول الله (عز وجل): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، فعدَّد الله (عز وجل) للإنسان ميادين التسخير ليزداد يقينه بخالقه.
وحينما يجهل الإنسان مُراد ربه (سبحانه وتعالى)، تنقلب هذه الميادين عليه، فبدلًا من أن تكون مُسخَّرة له فإنها تُسخَّر عليه.
أما علاقة الإنسان بالإنسان فإنها علاقة عدل وإحسان، فيقول الله (عز وجل): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾، فهي علاقة تبدأ بالإنسان نفسه فلا يظلم نفسه، ثم تشمل كل الإنسانية في أوضاعها المختلفة فلا يظلم الآخرين.
وقد برزت علاقة الصراع مع الطبيعة ومع الإنسان في الفلسفات الأخرى، فكان الهدف هو الاستمتاع وزيادة الاستهلاك بالنسبة للطبيعة، والبقاء للأصلح، والأصلح هو الأقوى، وهذا المفهوم قائم على الداروينية، فتُبرِّر التنافسات والتصرفات التي قد تؤذي الغير ليستمتع آخرون طالما كانوا هم الأصلح.
الفكرة من كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
لكل فِعلٍ ظاهر نقوم بِه، هناك تصوُّر باطن قد شكَّل هذا الفعل وجعل نفوسنا تتقبَّله، هذا التصوُّر يعتمد بشكل كبير على عدد من المركزيات في حياة الإنسان، وعلى بعض القيم والأهداف التي لها مكانة كبيرة في نفسه، والتي تحدِّد له الأدوات التي يسعى بها، ووفقًا لتلك القيم والأهداف يتشكَّل الإنسان، وهذا يمكننا تسميته بـ”فلسفة التربية”، فلكلِّ فلسفة غايات معينة تُشكِّل النموذج الإنساني الذي يتطابق تصوُّره وفقًا لتلك الفلسفة، فحينما نتأمَّل حال الإنسان المُعاصر ونقف جيِّدًا مع تصرفاته ودوافعه سنُلاحظ أن هناك فلسفة ما تشكَّل بها تصوُّره فنتج عنها تصرفه، فما هي إذًا فلسفة التربية لدى الإنسان المُعاصر؟ وهل هناك نموذج فلسفي تربوي كامل يرتقي بالإنسان؟ وماذا نعني بفلسفة التربية الإسلامية؟
في كتابنا يفتح لنا الكاتب آفاقًا جديدة لمعرفة إجابات تلك الأسئلة، ونُدرك جيدًا إلى أيِّ التصوُّرات ننتمي، وكيف ننظر إلى تلك الحياة.
مؤلف كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: مُفكِّر ومُؤرِّخ وتربوي أُردني، وُلِد عام 1932م، وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة الماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة الدكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل الدكتور ماجد الكيلاني على عديدٍ من الجوائز والتكريمات من دول العالم المُختلفة، منها: جائزة الفارابي العالمية للعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية، وتوفِّي في عام 2015 م، بعد أن قدَّم الأفكار الكبيرة والأعمال الضخمة التي تُصحِّح للأمة الإسلامية مسارها.
ومن مؤلفاته:
“هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس”، و”أهداف التربية الإسلامية”، و”الدور اليهودي في التربية المعاصرة”.