في أُحُد
في أُحُد
كان الصحابة حريصين في تربيتهم لأبنائهم على مشاركتهم في قضيتهم وعلى تعلمهم من الكبار حتى في الأحداث الخطرة، وكانوا بذلك يجتنبون مشكلة إثبات الاعتبار لدى الأبناء حين يريدون التأكيد على أنهم ما عادوا أطفالًا بالعصيان والتمرد، وكان يُختار لكلٍّ مهمةٌ حسب قدراته ومهاراته، فلا مقارنات ولا قوالب جاهزة، كما كان من اختيار النبي ﷺ لزيد بن ثابت لتعلم العبرانية وتولي القراءة والكتابة بكتاب يهود قبل أن يأذن له بالقتال في الخامسة عشرة.
ومرَّ عام على بدر، وفي شوال من السنة الثالثة للهجرة كانت غزوة أُحد، التي خرج فيها النبي ﷺ مع أصحابه بعد استشارتهم من المدينة لقتال مشركي قريش، وانخذل عنهم المنافقون بقيادة عبد الله بن سلول، وكاد بنو حارثة وبنو سلمة أن يفشلوا لكن الله ثبتهم، وأخذ عبد الله أبو جابر (رضي الله عنهما) يُذكر الناس بالله وبنصرة دينه ونبيه، وقد رأى قبلها بأيام رؤيا تُبشِّره بالشهادة، فأوصى ابنه قائلًا: “ما أرَانِي إلَّا مَقْتُولًا في أوَّلِ مَن يُقْتَلُ مِن أصْحَابِ النبيِّ ﷺ، وإنِّي لا أتْرُكُ بَعْدِي أعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ، غيرَ نَفْسِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فإنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ، واسْتَوْصِ بأَخَوَاتِكَ خَيْرًا…”، وقال جابر: “فأصْبَحْنَا، فَكانَ أوَّلَ قَتِيل”، وأظلته الملائكة بأجنحتها حتى رُفع ليُدفن، وأمر النبي ﷺ بدفن القتلى في مصارعهم، ودُفن في كل قبرٍ رجلان أو ثلاثة بتقديم أقرئهِم للقرآن، فدفن عبد الله بن عمرو بن حرام مع صاحبه وزوج أخته عمرو بن الجموح.
وقد نقل جابر أباه من قبره مرة بعد ستة أشهر، ومرة عند حفر معاوية لقناة مياه هناك، ومرة عند السيل سنة تسع وأربعين، وهو في كل مرةٍ على هيئته التي دُفن بها أول مرة في كرامةٍ متجددة.
الفكرة من كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
كانت شخصية جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) واقعية حقيقية وربما بدت عادية، كانت فيه سمات جيل الصحابة الفريد من الإيمان، والتوازن في العبادة، والعلم الحي، والعمل الدؤوب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع هذا الكتاب نعرف حكايته ونرى ما حظي به من التربية النبوية.
مؤلف كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
محمد حشمت: كاتبٌ ومحاضر، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصل على ماجستير العقيدة الإسلامية من كلية العلوم الإسلامية بجامعة ميديو في ماليزيا.
من مؤلفاته: “الخلاصة في علم مصطلح الحديث” وسلسلة “في ظلال التربية النبوية” التي تضم الكتاب الذي بين أيدينا و”حذيفة بن اليمان” و”كعب بن مالك” و”الرميصاء” و”فاطمة” و”خوَّات” رضي الله عنهم.