فيمن بلغوا الإمارة بحسن الحظ أو تعضيد الغير
فيمن بلغوا الإمارة بحسن الحظ أو تعضيد الغير
حوادث الزمان لا تسير على قانون ثابت، فالأيام تُتداول بين الناس والمُلك قد يُسلب من أحدهم لغيره، لذا فحسن الطالع قد يدفع بأحدهم إلى سدنة الحكم، وهذا ليس فيه كثير عناء بالنسبة إليه، إذ لا فضل له فيه، بل يحدث الأمر هكذا اتفاقًا، فقد تتولَّد ظروف أو أحداث تدفع بأحدهم إلى حكم المملكة.
ولكن تكمن كل الصعوبة في الاحتفاظ بالحكم بعد أن تذهب نشوة الوصول، فبعدما يفيق من خمرة تلك الفرحة يجد نفسه أمام مصاعب جمة لا سيما إن كان ثمة من ساعده على الوصول فسيبقى رهين أمره، وهذا منذر بعدم الاستقرار، فطبائع البشر ليست على حالة واحدة، وأصدقاء اليوم أعداء الغد، فهو لا يأمن جانبه، كما أن خموله في بدايات حكمه يُفقِده الكثير من سلطانه على حاشيته ورعيته كذلك فيرونه عاجزًا، فحتى وإن هبَّ بعد ذلك لأخذ قرار ما فسيفتر حماسه ولن يتمكَّن من إنفاذ أمره، مما يذكي عند كل واحدٍ من حاشيته مطمعًا في الحكم فيتحيَّن الفرصة لذلك.
بخلاف من أهَّلَته صفاته للوصول إلى الحكم فهذا يعرف من أين تؤكل الكتف، فأجدر به أن يمسك بزمام الأمور سريعًا وربما كان قد خطَّط قبل ذلك فيعمد بعد وصوله إلى تنفيذ خططه والاستئثار بحكمه، خصوصًا أن من حوله ليس بينهم من له منَّة أو فضل عليه في وصوله إلى الحكم، فحتى وإن سقاه الحظ بعضًا من كؤوسه، فبفضل مهارته سيعمل على تثبيت ركائز حكمه فيتقي الأعادي ويكسب الأصدقاء ويفوز بالقوة أحيانًا وأحيانًا أخرى بالخديعة، ويتحبَّب إلى الرعية مع قذف سلطان رهبته في قلوبهم، فهذا أدعى أن يخُتم له بالفوز في نهاية المطاف.
الفكرة من كتاب الأمير
“هذا السِّفر على وَجازته هو بحق إنجيل السياسة المعاصرة”.
تأتي أهمية كتاب الأمير من كونه أساسًا لفكر سياسي جديد، فهو يستقرئ طبائع الشعوب والحُكام وكيفية تكوُّن الممالك والإمارات، ويصف الطريق المعبَّد للسيطرة على الشعوب، كما يضع الحلول لما قد يعترض الأمير من عقبات في أثناء فرض حكمه على رعيِّته، وهذه هي سياسة الميكافيلية التي اشتهرت فيما بعد بمبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”.
مؤلف كتاب الأمير
نيقولا مكيافيلي Niccolò Machiavelli: فيلسوف وسياسي إيطالي، وُلِدَ في فلورنسا عام ١٤٩٦م لأسرة نبيلة، لم يتلقَّ تعليمًا عاليًا ولكنه تثقَّف بقراءة الكتب الإغريقية والرومانية كما كان يفعل أبناء طبقته في ذلك العصر، عمِل بالسلك الدبلوماسي لجمهورية فلورنسا لأربعة عشر عامًا، ثم عُزِل وسُجِن ثم نُفيَ إلى الريف، وفي منفاه انعزل عن الحياة السياسية، تُوفِّي «مكيافيلِّي» بعدما داهمه المرض بعد أيام من عودته إلى فلورنسا عام ١٥٢٧م.
ويُعدُّ فكر «مكيافيلِّي» أحد أهم أعمدة عصر التنوير الأوروبي، وقد ترك ما يقارب الثلاثين كتابًا، ظل كتاب «الأمير» أشهرها على الإطلاق.