فهم الواقع والحكم عليه
فهم الواقع والحكم عليه
من المهم جدًّا لمن أراد أن يقدم أفكارًا أو مناهج إصلاحية أن يقوم بخطوة أولى مهمة بغيرها تصبح كل الأفكار والخطط خبط عشواء، ألا وهي خطوة قراءة وفهم الواقع.
ابتداءً علينا أن ندرك أنه مهما توافرت لدينا من أدوات ومعارف إدراكية ستبقى محدودة في ضوء فهمنا للواقع، سنفهم أشياء وستغيب عنا أشياء أكثر، وهذه طبيعة إنسانية فُطِر الناس عليها.
نذكر هنا بعضًا من الأدوات والمفاهيم التي تساعدنا على قراءة الواقع، أولًا هناك ما يُسمَّى بالخريطة الإدراكية، هذه الخريطة تتكوَّن من اتحاد العوامل الآتية: مدخلات تدخل إلى الدماغ عبر الحواس الإدراكية فيقوم الدماغ بتفكيكها بناءً على ما لديه من مفاهيم ومعلومات سابقة، ثم يقوم بإصدار الأحكام فتتكوَّن الخريطة الإدراكية، وهذه الخريطة قابلة للتعديل والتغيير على الرغم من مقاومة الدماغ لذلك، ويتم ذلك بمراجعة الإنسان المستمرة لأفكاره ومبادئه وبتوسيع مداركه.
علينا أن ندرك أيضًا أن الواقع لا يمثِّل انعكاسًا للقيم التي يؤمن بها الناس ويجهرون بها، فالمصالح والطموحات وتلبية الاحتياجات كثيرًا ما تتعارض مع القيم، إلا أننا لا ننكر أيضًا وجودها في الوعي العام وظهور تأثيرها فيهم ولو بشكل غير ملحوظ.
الواقع أيضًا يخضع لسنة الله في التغير والانتقال من حال إلى حال، فواقعنا اليوم يختلف كثيرًا عن واقع الناس منذ خمسة أعوام أو أكثر أو أقل، سواء كان واقعنا اليوم أفضل أو أسوأ، وظهور متغيرات جديدة كالتقنية مثلًا لها أثر كبير في تغيير الواقع.
للواقع المعاصر أيضًا طابع أنثوي بدأ في الظهور، وبخاصةٍ في المناطق ذات التطور والتقدم العمراني والتقني بخلاف مناطق البادية التي تتسم بالجفاء والقساوة ويغلب عليها الطابع الذكوري، فتجد الناس مثلًا يميلون إلى التعامل برفق ولطف وحساسية في المدن، بل واللغة أيضًا نجدها تميل إلى اللطافة والرقة النسوية، كما نجد ظهورًا واضحًا لصوت المرأة ودخولها في صدامات مع الرجل في قضايا العمل والقوامة والأسرة ودعوات هدفها إثبات ذاتها وقدرتها على استقلالها عنه.
وهناك أيضًا أدوات تساعدنا على إصدار أحكام أقرب إلى الصواب على الواقع بعد فهمه، ومنها: إدراكنا أن أحكامنا الصادرة على الواقع اجتهادية، وبناء على المفاهيم والرؤى والزوايا التي ينظر كل واحد بها، ينبغي أن نبتعد عن التعميم في الحكم، فما نريد أن نحكم عليه قد يكون ذا جوانب متعددة، بل هو كذلك فعلًا، فمن الخطأ أن نحكم عليه بغير تقسيمه وتجزئته إلى أجزاء أصغر نفهم في ضوئها الواقع الكلي.
الفكرة من كتاب تكوين المفكر: خطوات عملية
من حقك أن تفكر وتُعمِل عقلك وتكتشف الكون من حولك، لكن عليك أولًا أن تفهم نفسك وأن تفهم مرادك وأن تفهم الواقع من حولك، عليك قبل أن تقتحمه أن تعرفه، وأن تتسلَّح بالأدوات اللازمة له، فلست وحدك في أرض السباق، حولك كُثُر منهم من يفكر ومنهم من يُصلح ومنهم من يجادل ومنهم من يتأمل، وهذا الكتاب بمثابة البوابة والمقدمة التي تفتح عينيك على هذا العالم.
مؤلف كتاب تكوين المفكر: خطوات عملية
الدكتور عبد الكريم بن محمد الحسن بكَّار: أحد المؤلفين البارزين في مجال التربية والدعوة والفكر الإسلامي، كتاباته تلقى رواجًا بين جموع الشباب حيث تتمتَّع بالسهولة والشمولية في الطرح، قدَّم برنامجًا تلفزيونيًّا بعنوان “دروب النهضة”، وبرنامجين إذاعيين أحدهما بعنوان “بناء العقل في القرآن الكريم”، وآخر بعنوان “العلاقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي”، وله العديد من المؤلفات في مختلف المجالات ومنها:
العيش في الزمان الصعب.
مسار الأسرة.
من أجل انطلاقة حضارية شاملة.