فلسفة التاريخ
فلسفة التاريخ
إذا كان التاريخ هو سجل الوقائع والأحداث التي ألمَّت بالشعوب والأفراد، فهو إذًا ديوان الأمم والبوتقة التي تنصهر فيها كل تفاعلاتها ويتحدَّد على أثر ذلك مستقبلها، فالأمم إنما تبني حضارتها بحجارة تم نحتها من قبل، من هنا تختلف الأعراق البشرية وتتباين صفاتها، ومن أراد التنبؤ بمستقبل أي أمة ما عليه فقط سوى أن يسبر أغوار تاريخها، فالأيام دول وبينها روابط خفية يؤثر بعضها في بعض، ولذا طفقت الأمم تنبش الأرض لتحيي ما اندرس من آثارها وبقايا أخبارها وتعكف على حفظ هويتها بحفظ جذورها التاريخية منعًا من ذوبانها بين ثقافات الدول والشعوب المختلفة.
فالتاريخ وإن بدا في ظاهره حوادث متناثرة فإنه بكشف غطاء تلك العشوائية المضللة، تجد أنها تخضع لنظام محكم دقيق يتكرر بصورة شبه دائمة، فلكل نتيجة أسبابها التي إذا ما وُجدت أمكن التنبؤ بتكرار ذات النتيجة مستقبلًا، ومن هنا كانت فلسفة التاريخ، فالفلسفة في حقيقتها تبحث في ماهية الأشياء، وعلى ذلك تبحث فلسفة التاريخ فيما وراء تلك الأحداث والوقائع التاريخية من عوامل وأسباب، وبتلك النظرة التفسيرية للحوادث يمكن استلال ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بين الأشياء والوقائع المتكررة والمتشابهة أحيانًا واشتقاق القوانين الحاكمة للتاريخ البشري، ومن ثمَّ مسايرة السنن والمحددات التاريخية دون الاصطدام معها.
ولفضِّ النزاع بين مصطلحي المؤرخ والفيلسوف التاريخي، يمكن القول إنهما يتقاربان حينًا ويفترقان أحيانًا، فبينهما عموم وخصوص، فالمؤرخ وإن كان يسبح على سطح الوقائع والأحداث فالفيلسوف إنما يغوص في أعماقها ويستخرج خزائنها، كذلك المؤرخ يقصر به الطريق على التسجيل الوثائقي للأشياء، أما الفيلسوف فيعمد إلى التأمل والتحليل والاستقراء عبر ضم المثيل إلى مثيله والنظير إلى نظيره، فالإجابة على تساؤل ماذا حدث؟ هي مهمة المؤرخ كآلة تصويرية تسجِّل الأحداث، أما لماذا وكيف حدث ذلك؟ فتلك مهمة فيلسوف التاريخ في التأمل والتفسير، فهو المعنيُّ أصالةً بالتحليل التاريخي لمسيرة الحضارات وما يجري عليها من عوامل الازدهار والاندثار.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
لماذا تسقط الأمم؟ ولماذا تتداعى الحضارات التي كان يُظنُّ يومًا ما من الأيام أنها أكبر من أن تسقط؟ هذا الثقل النفسي الرهيب الذي يفرزه هذا السؤال الصعب هو ما دفع العلماء والمفكرين والساسة وأصحاب الرأي إلى الاعتكاف على دراسة التاريخ والوقائع والأحداث، لعلَّهم بذلك يستلهمون فقه الحضارات ويهتكون أستار السنن الكونية والاجتماعية الحاكمة لمسيرة الجنس البشري عبر العصور، وهذا بالضبط هو موضوع الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
عبد الحليم عويس: ولد في يوليو 1942، بمدينة المحلة الكبرى محافظة الغربية بدلتا مصر، حصل على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية (1968م)، وعلى الماجستير (1973م) عن أطروحته دولة بني حماد في الجزائر، والدكتوراه (1978م) عن أطروحته ابن حزم الأندلسي مؤرخًا في التاريخ والحضارة الإسلامية من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ثم عمل أستاذًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المصرية والعربية، كما أنه عضو اتحاد كتاب مصر، وخبير بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وعضو نقابة الصحفيين، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، ونائب رئيس جمعية رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة، ورئيس تحرير مجلة “التبيان” التابعة للجمعية الشرعية بمصر، توفي في ديسمبر من العام 2011.
من مؤلفاته: “المسلمون في معركة البقاء”، و”فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية”، و”دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية”.