فقه الواقع
فقه الواقع
فقه الواقع هو “الفهم العميق لما تدور عليه حياة الناس، وما يعترضها وما يوجهها”، وهناك سجال دائر في الأوساط الثقافية الإسلامية عن هذا المصطلح “فقه الواقع”؛ منهم من يقصد به التصور الصحيح لما تسير عليه مجريات الحياة، على مستوى المجتمعات المحلية وكذلك المجتمع الدولي والمشكلات العالمية، ومنهم من يقصد به التصور الصحيح للواقع مع صياغة نظم وأنساق اجتماعية واقتصادية وقانونية بمرجعية إسلامية، ومنهم من يرى فقه الواقع هو العلم بسنن الله في خلقه، أي الفقه الاجتماعي والقوانين الإلهية.
وهناك عناصر أساسية لا بدَّ للمثقف المسلم أن يُلم بها، ليكون على بصيرة بالواقع ويمتلك رؤية ناقدة كاشفة لمشكلاته وطارحًا لسبل وأدوات لعلاجها، منها أن فقه الواقع أصبح له أدوات وهي العلوم الإنسانية والاجتماعية، ولم يُعد يصلح للمرء أن يفهم واقعه بالعين المجردة، وعليه أن يراعي الطبيعة الإنسانية، ملتزمًا بالمنهج الرباني لكيلا يقع في الفهوم الاختزالية التي وقعت فيها المناهج الغربية عندما حاولت فهم الإنسان، فتحاشت فطرتها تارةً وغريزتها تارةً أخرى، فخرجت بنظريات ومقولات أسهمت في تلويث الفطرة البشرية وإفسادها، وعليه أيضًا أن يراعي السنن الاجتماعية التي خلقها الله وسيَّر عليها الخلق منذ خلق آدم وإلى قيام الساعة، فمعاندة السنن الإلهية نوع من المعاندة والحمق، ويستعين على ذلك بالتأمل في نصوص الوحي التي تعرَّضت لهذه السنن، وما توصلت إليه العلوم الاجتماعية من نظريات وأفكار لا تتعارض مع المرجعية الإسلامية.
كذلك من الأمور المهمة للمثقف أن يراعي شرائح المجتمع التي يخاطبها، فهي تتفاوت تفاوتًا كبيرًا على مستوى الفهم والتعليم والثقافة والمادة، فلا يحسن به أن يخاطب العامة بخطاب لا يستوعبه إلا متخصصون، ولا يحسن به أن ينفرد بأفكاره للعلماء وأن يكون بعيدًا عن عامة الناس، بل عليه أن يوازن بينهما، ومن ناحية أخرى عليه أن يبتكر برامج تثقيفية وتعليمية تعمل على بعث الأمة من جديد، واسترداد هويتها الثقافية، لتبقى الأمة حية شاهدة كما أرادها الله (عز وجل).
وعليه في كل مرحلة من المراحل أن يراعي فقه الأولويات، فلا يحسن به الاتجاه إلى قضايا ثانوية وإثارتها في ظل غياب القضايا المركزية، مع استبصاره لمآلات أفعاله دائمًا.
الفكرة من كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
يطرح هذا الكتاب بعدًا نظريًّا وبعدًا واقعيًّا، البعد النظري يدور حول ماهية الثقافة وموقعها من المجتمعات، وشخصية المثقف ومقوماته، والبعد التطبيقي يختصُّ بالتحوُّلات الثقافية في العالم العربي في القرنين الماضيين، وتأمل حال من تسمَّوا بالنخبة الثقافية عصرانيين كانوا أو إسلاميين، مع وضع تصور للخصائص والمؤهلات والملكات التي ينبغي أن يتحلى بها المثقف المسلم في العصر الحديث.
مؤلف كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
الدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدي: أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، وعضو المجلس العلمي بمركز البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية.
من أهم مؤلفاته: “مصادر المعرفة بين الفكر الديني والفلسفي”، و”السلفية وقضايا العصر”، و”حقيقة الفكر الإسلامي”، و”مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر”.