فقه العمران
فقه العمران
ليس العمران في الإسلام نتاج تحركات خبط عشواء، أو تحرُّكات مادية صرفة تستهدف مجرد التطاول في البنيان أو التوسع في أعمال البنى التحتية والتصنيع دون ناظم قيمي؛ وهو هنا يجعل من العمران وللعمران قيمة وفقهًا، يلزم أي مُعمَّرٍ الالتزام بإطاره وغاياته الحاكمة، فالعمران قيمة تحدِّد فقه العمل في الحياة الدنيا، لا سيما عمل المجتمعات المرتبط بنظم الإدارة والسياسة، ورعاية شؤون الناس برفع الحرج والمشقة عنهم، وكما يتجلَّى في الجوانب المادية للحياة، من أبنية وطرق، وصناعة وزراعة، فإنه يظهر في الجوانب المعنوية لحياة المجتمع من استتباب للأمن وإقامة العدل وممارسة الشورى.
لذلك نجد أن العمران في الفقه الإسلامي يرتبط بمجموعة دلالات، تتصل بمعنى الإقامة والاستقرار، وبناء المساكن وتشييد القصور، والأخذ بأسباب التحضر وبناء الحضارة، ولفظة العُمر أصلًا تنطوى على معنى العمران، فدعا الإسلام إلى إعماره بقيم الحق والخير والصلاح، وإلا فلا قيمة لهذا العمر، وفي القرآن أمثلة على من استخدموا ما لديهم من موهبة وقوة في الإصلاح فحمد الله صنيعهم كذي القرنين، ومنهم من استخدمها في الفساد، فخسف الله بهم الأرض كأمثال قارون وغيره.
ومهمة الإعمار تتلازم مع مهمة الاستخلاف في الأرض؛ يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، والتخلي عن القيام بالإعمار فيه فساد وإفساد وهلاك، ليس للفئة الظالمة وحسب، وإنما للجميع ما داموا قد تقاعسوا عن الإصلاح، فشأن الأرض التي استُخلف فيها الإنسان شأن السفينة التي إن غرقت غرق كل من فيها، صالحين كانوا أو فاسدين.
الفكرة من كتاب منظومة القيم العليا
الحياة من دون قيم ليست حياة، فهي حياة بلا غاية أو هدف يوجِّه سلوك الإنسان فيها، والإسلام أكثر ما عالج هذه القضية، فجاء ليضع مجموعة من القيم والمبادئ التي يمكنها أن تنظِّم حياة البشر أفرادًا وجماعات، وتضمن لهم السعادة في الدارين، ولما كان أول ركن في الإسلام هو الشهادة كانت القيمة الأولى في الإسلام هي التوحيد، وهي القيمة التي تنبثق عنها كل القيم وتعمل تحت مظلتها، ويقترح هذا الكتاب إلى جانب التوحيد قيمتي التزكية والعمران، ليشكِّلوا معًا منظومة متكاملة مترابطة، تكون بمثابة البوصلة التي من أجلها وعلى أساسها يتحرك المسلم في حياته.
مؤلف كتاب منظومة القيم العليا
فتحي حسن ملكاوي: مفكر إسلامي، متخصِّص في العلوم التربوية، ينتمي بفكره وجهده البحثي إلى مدرسة إسلامية المعرفة، ومؤسسة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، حيث يعمل حاليًّا مديرًا إقليميًّا في المعهد، بالإضافة إلى كونه عضوًا بمجمع اللغة العربية بالأردن.
شارك ملكاوي في تأليف العديد من المقرَّرات والكتب المدرسية والجامعية، كما أن له عدة مؤلفات في موضوعات إسلامية وتربوية مختلفة منها: منهجية التكامل المعرفي: مقدمات في المنهجية الإسلامية، والفن في الفكر الإسلامي: رؤية معرفية ومنهجية، ومشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي، بالإضافة إلى الكثير من المقالات والدراسات التي نُشر معظمها في دورية إسلامية المعرفة: مجلة الفكر الإسلامي المعاصر.