فضيلة العلم
فضيلة العلم
العلم نور والجهل ظلام، عبارة لطالما مررنا عليها وقرأناها على أسوار المعاهد والمدارس وأغلفة الكتب، وهي حقيقة لمن ذاق مرارة الجهل ثم تنعَّم بحلاوة العلم، والعلم يُكسب المرء رفعة وعزة يهابه بها الجهَّال ويكرمه بها أهل العلم والفضل، بل ويحجزه ويشغله عن التفكير فيما يضرُّه من خواطر ووساوس وهموم.
والعلم عملية تراكمية تبدأ بالمعرفة، وكثيرًا ما يخلط الناس بين العلم والمعرفة، فالعلم هو المنتج النهائي والمحطة الأخيرة لطريق المعرفة، وتكمن أهمية المعرفة بجانب أنها موصلة إلى العلم اليقيني، كما أنها توسِّع أفق الإنسان ومداركه وتخرجه من ظلم الجهل ومن الخوف إلى نور وسعة واطمئنان العلم.
والمعرفة تبدأ منذ أن كان الإنسان في رحم أمه ولا تتوقف أبدًا إلى حين يقرر أن يتوقف عن التعلم أو حين يموت، وجاهلٌ من قرر أن يتوقف عن التعلم، إذ إنه لو أمعن بصيرته لاكتشف أنه يتعلم في كل يوم شيئًا جديدًا شاء ذلك أم أبى.
ومصادر المعرفة الموصلة إلى العلم كثيرة عديدة وأهمها القراءة، فالقراءة تعطيك ما لا يعطيك غيرها من علوم ومعارف نافعة أو ضارة، فالحذر كل الحذر من الانشغال بالضار أو ما لا فائدة منه فتضيع الأوقات والأعمار، ولا ينالك من ذلك إلا الكد والتعب.
إن أفضل وأشرف ما قد يشغل المرء به نفسه من معرفة وعلم أن يتعلَّم أشرف العلوم وأزكاها، فيتعلم دينه وكتاب ربه وسنة نبيه، فشرف العلم بشرف المعلوم، بل إن علوم الوحي هي أصل كل علم آخر ومنبع كل علم نافع ولو لم ينشغل المرء إلا بها لكفته ولأصلحت له دينه ودنياه، ولقد برع وأبدع علماء الإسلام في إثراء المكتبة الإسلامية بشتى المصنفات والعلوم، فما تركوا علمًا ينفع المسلم ويقوِّم سلوكه ويعينه في دنياه وأخراه إلا ولهم فيه أوفر الحظ والنصيب.
وربما بدأ الواحد منا في طريق التعلم فوجده شاقًّا طويلًا صعبًا فتردَّد، ولم يجد حوله صحبة أو عونًا فاستوحش، وهنا يأتي دور القدوات، فإن من المهم أن يتخذ المرء قدوة في أي عمل يقوم به فكيف إذا كان هذا العمل مما ينبني عليه مصيره! ولا يُطيل المتعلم البحث في مجال القدوات كثيرًا، فله في سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ما يروي به ظمأه ويطمئن له قلبه.
الفكرة من كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أصدق المعاني معانٍ ذاقها أصحابها بعد مرارة التجارب وتتابع الأيام وتراكم الخبرات ثم أخرجوها إلى الناس صادقة واضحة نافعة مصبوغة بصبغة الصفاء والعفوية والسهولة غرضهم فيها أن ينتفع أصحابها كما انتفعوا هم، لكنه مهما بلغ المعنى من الوضوح والجلاء والصحة أن يُستَوعَب إلا أن النفس تتوق إلى التجربة وخوض الحياة لتصنع تجربتها الخاصة وتستخرج معانيها هي، وليس الخبر كالمعاينة! وهذا ما سنتبينه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة لأب ترأَّس الوزارة أيام الدولة العامرية، ثم ترأَّس هو نفسه الوزارة أيام المستظهر بالله العامري، ثم أيام المعتد بالله وتركها ليتفرَّغ لعلوم الإسلام قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره.
كان صاحب أسلوب وبلاغة وحجَّة، وكان يُعاب عليه اندفاعه وحدَّته في تناول آراء ومذاهب وأشخاص خصومه من علماء عصره.
ومن أبرز مؤلفاته:
الناسخ والمنسوخ.
الفصل في الملل والأهواء والنِّحل.
طوق الحمامة.
المفاضلة بين الصحابة.