فصل الخطاب
فصل الخطاب
هناك شبهة مهمة واجبة التفنيد والرد، وهي أنه إذا كانت الشريعة لا تتكوَّن فعلًا إلا من أحكام نصية ولا يجوز أن يكون من مكوناتها الإجماع والقياس، فلماذا لم يتنبَّه أئمة السلف إلى هذا الأمر وفعلوا كل ذلك وهم أفضل منا بكثير في العلم الشرعي؟ والحق أن تلك الأجيال الأولى ليست أقل دراية منا بمقاصد الشريعة، لكن لا بدَّ أن نتذكَّر الخصوصية الزمنية التي عاشوا فيها، وهي أزمنة ساد فيها أثر الفلسفة الأرسطية والأفلاطونية، وقت أن كان العالم الإسلامي يواجه محاولات تلك الأفكار للسيطرة على العقل المسلم، وكانت الاكتشافات الجديدة في الرياضيات والفيزياء والفلك تفتح سبلًا جديدة للتأمل لم تكن موجودة، ومن بينها مقولات تخالف القرآن وأحاديث رسول الله ﷺ، وسط كل ذلك.
فما العجب في سعي أولئك العلماء المسلمين العظام إلى إقامة منظومة شرعية تضم الحياة الإسلامية برمَّتها ومن ثم تحميها من كل التأثيرات غير المرغوبة، فكان اجتهادهم مشروعًا ويستحق كل تقدير، فقد جاهدوا من أجل الاستمرارية الدينية والثقافية للإسلام ونجحوا إلى حدٍّ بعيد، فإذا كان هناك خطأ فهو في الاعتقاد بأن نتائج اجتهادهم ستظل صالحة لكل العصور التالية، والخطأ في ذلك منا وليس منهم.
وهناك حاجة ماسة إلى تقنين الشريعة الحقيقية والعمل بتلك القوانين في الحياة العملية، ومن دون هذا التقنين سيظل المسلمون إلى الأبد في ارتباك وانقسام حول كيفية ترجمة روح الإسلام إلى إجراءات عملية في الحياة الاجتماعية والسياسية، وبسبب ما تتميَّز به هذه القوانين من الوضوح والدقة اللغوية، فلن تحتاج إلى إرشاد خارجي لفهمها، وبذلك يتمكَّن كل مسلم ذكي من العامة أو العلماء من أن يعرف بنفسه قول الإسلام في أي مسألة، ذلك بعد أن نزيل تلك الطبقات من الفكر التي طمست وضوح الشريعة لتعود مرة أخرى الدستور الخالد للإسلام.
الفكرة من كتاب هذه شريعتنا.. ومقالات أخرى
نتعرَّض يوميًّا للعديد من المسائل الفقهية في حياتنا اليومية، ونذهب لنتعرَّف على أمر الشرع في هذه المسائل فنجد آراء متعددة من فقهاء كثر على مذاهب فقهية متعددة، وكل فقيه لديه من الأدلة المقنعة ما يرجح به كفته، فلا نعرف أي الآراء الأصح والواجب الاتباع، وهل لو اتبعنا رأيًا أقل رجاحة من بقية الآراء نكون آثمين مخالفين للشرع؟
في هذا الكتاب يستعرض الكاتب الفرق بين أوامر الشريعة الثابتة واجتهادات الفقهاء الخاصة بأحداث معينة في أزمان معينة وظروف محيطة معينة ويوضح الفرق بينهما في التعامل، ويتحدَّث عن التقليد وما نتج عنه على مرِّ القرون المنقضية، والحل لمشكلة تدهور المجتمع المسلم.
مؤلف كتاب هذه شريعتنا.. ومقالات أخرى
محمد أسد Muhammad Asad: كاتب ومفكر ولغوي وناقد اجتماعي ومترجم ورحالة مسلم، ولد في الإمبراطورية النمساوية الهنجارية عام 1900، وتوفي في إسبانيا عام 1992، درس الفلسفة في جامعة فيينا، وعمل مراسلًا صحفيًّا، وبعد منحه الجنسية الباكستانية تولى عدة مناصب منها منصب مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك، وطاف العالم، ثم استقر في إسبانيا وتُوفِّيَ فيها ودفن في غرناطة، ويعد محمد أسد أحد أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرًا.
من كتبه ومؤلفاته:
– روح الإسلام.
– في رسالة للقرآن.
– الطريق إلى مكة المكرمة.
– الإسلام على مفترق الطرق.
– مبادئ الدولة والحكومة في الإسلام.