فخ النمو الضعيف
فخ النمو الضعيف
رغم أن علاج الخلل الناشئ في هيكل الأرباح والأجور يعدُّ من متطلَّبات العدالة الاجتماعية، فإن تلك العدالة لها بعد اقتصادي ظهر أثره في بعض البلدان التي حافظت عليها في اقتسام الكعكة بين الشركات الكبرى والعمال، ففي حين تراجعت مؤشرات الأداء الاقتصادي للعديد من البلدان جرَّاء الأزمات الاقتصادية التي ضربت العالم، نجد أن الأداء الاقتصادي ارتفع في البلدان ذات العدالة الاجتماعية في اقتسام الأرباح، حيث كان الطلب المحلي الناتج عن تعاظم القوى الشرائية للقطاع العائلي المحلي هو المحرك لهذا الارتفاع، أما باقي البلدان فقد اعتمدت على الطلب العالمي الذي تأرجح بفعل الصدمات المختلفة للاقتصاد العالمي في ظل جغرافيا عالمية مضطربة، فأدَّى ذلك إلى خفض الدافع للاستثمار من أجل زيادة الطاقة الإنتاجية.
مما يدفع تلك الشركات للضغط على سوق العمالة لخفض رواتبهم أكثر وأكثر من أجل الحفاظ على معدَّلات الربحية وحفظها من التآكل بسبب هذا المناخ العام من النمو الضعيف، ومن هنا نرى أن تلك الشركات تحاول بشتى الطرق نقل عبء أزماتها إلى غيرها من الحكومات والدول والمستهلكين والعمال، أما في حالات الرواج والازدهار فنجد أن معدلات الأجور حتى وإن ارتفعت فإنها تظل أقل من الإنتاجية الحدية للعامل.
وتستفيد تلك الشركات من الفائض المتحقِّق الناتج من الفرق بين الإنتاجية الحدية لعنصر العمل ومعدل الأجر، ومن هنا لا تؤدي زيادة أرباح الشركات الصناعية الكبرى إلى تشجيع الطلب المحلي، لأنها تنتج بصفة أساسية من خفض الأجور، مما يؤثِّر بدوره في توقُّعات المستثمرين ومعدلات الاستثمار في المستقبل، وعلى ذلك نستطيع القول إن عدم إعادة استثمار أرباح الشركات الكبرى مرة أخرى سيؤدي إلى خلل معدلات الاستثمار في المستقبل، ومن هنا رأى بعضهم أن الرأسمالية محكومٌ عليها بتدمير الذات، لأنها لا تمتلك مشروعًا استثماريًّا واضح المعالم.
الفكرة من كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
لم تسلم الرأسمالية منذ نشأتها على مدى تاريخها من النكبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ومما صعَّب الأمر بروز قضية العولمة التي ربطت اقتصادات العالم بعضها ببعض، فإذا سعلت دولة بالمشرق أصابت نظيرتها بالزكام في المغرب، وليس أدل على ذلك من الواقع المعاصر وجائحة كوفيد 19 التي ما لبثت أن ظهرت في الصين حتى أصابت العالم أجمع بالشلل.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، إذ يلقي الضوء على ظاهرة العولمة وما يرتبط بها من تحديات وأخطار مستترة قد تفضي على حسب رأي البعض إلى بدء العد التنازلي لانهيار الرأسمالية المعاصرة.
مؤلف كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
باتريك آرتو: أستاذ بكلية الهندسة، وأستاذ مشارك في جامعة باريس – بانتيون السوربون، ومدير البحوث الاقتصادية لمجموعة صندوق التوفير/الودائع، من مؤلفاته: نظرية النمو والتذبذبات، والأوضاع الشاذة في الأسواق المالية، والاقتصاد الجديد.
ماري بول فيرار: رئيسة تحرير مجلة أنجي ليزكو، من أعمالها: قصة أرباب العمل الكبار.