فحص الرواة والرواية
فحص الرواة والرواية
يُنظر بعد ذلك في الروايات المجموعة في المصنَّف هل توافرت فيها شروط الصحة أم لا؟ وذلك في المتن (أي نَص الخبر)، والإسناد (أي سلسلة الرواة للخبر)، وليس فحص أحدهما دون الآخر، وقد خَبَر أئمة الجرح والتعديل أحوال الرجال وميَّزوا الصادق من الكاذب والمتثبِّت الضابط من ضعيف الحفظ بقواعد متفق عليها بين كل العقلاء، فمن هذه القواعد النظر في أحوال البيئة؛ وقد كانت البيئات الإسلامية في زمن الرواية خير مثال للتمسك بالفضيلة وتعظيم الأخلاق وقيم الصدق والأمانة بشهادة الأعداء قبل الأصحاب، فلا يمكن قبول الطعن في من اشتُهِر بالصدق والتثبُّت، وكان محل إجماع من الناس أو عدَّله عالم معتبرٌ حكمه في الرجال ولم يخالفه أحد من العلماء، وبخاصةٍ مع عناية تلك البيئات بالأخبار وصدقها وتمسُّ أحكامهم العامة وتتعلق بمقدَّساتهم، وبخاصةٍ حين تتفق كلمة علماء في مناطق متباعدة وأزمنة متفارقة، وقد اشتهر عندهم رؤوس نقلة الحديث حتى شاع بينهم عبارات مثل: “فلان لا يسأل عنه” بما لا يدع مجالًا للطعن فيه.
فضلًا عن ما ورد في الشرع عن التحذير من الكذب على رسول الله، فكيف يُترَك من يكذب على رسول الله؟ والاحتياط الشديد في قبول الروايات؛ فكانوا يردون رواية سطور كثيرة لكلمة واحدة منسية ويحذرون ممن يتبع الشذوذات والغرائب وممن يحدِّث عن كل أحد وممن يكتب ولا يقابل من شيخه، واستغلوا التاريخ والجغرافيا في مقارنة المرويات، وقارنوا رواية الرجل بالأصل المكتوب الذي يروي منه، وكذا مع روايات أقرانه، وردُّوا كل تفرُّد لا يعرفه جماعة المعنيين بالسنة، واستعملوا التلقين للتحقُّق من حفظ الرواي، ولم يكتفوا بأحوال الرجال، بل نظروا في واقع المتن نفسه، واشترطوا له السلامة من العلة والخلو من الشذوذ.
الفكرة من كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
السنة النبوية هي جملة الأخبار المروية عن النبي (صلى الله وعليه وسلم) ونُقِلت إلينا مباشرة أو بواسطة، وكان الغمز فيها والتشكيك في موثوقية مصادرها محصورًا في أبحاث المستشرقين وذيولهم ممن تأثروا بكتبهم، ولكن صارت موجة التشكيك في السنوات الأخيرة ذائعة وتلقى آذانًا صاغية نتيجة الابتعاد عن منابع الشريعة الأصلية ومظاهر التفلُّت من أحكامها بضغط الثقافة السائدة مع تفشي الجهل بالأسس والمنهجيات التي دُوِّنت بها السنة ونقلت.
وفي هذا الكتاب يوضح المؤلف الأدلة العقلية على ثبوت الأحاديث النبوية وصحة نسبتها إليه منذ خرجت من فمه الشريف (صلى الله عليه وسلم) مروروًا بعمليات التدوين والنقل والرواية والجمع حتى وصلت إلينا في دواوينها المعروفة، بما ينفي الريب عن المُشكِّك ويزيد إيمان المتيقِّن.
مؤلف كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
وُلد الشيخ محمد بن خليفة الرباح في العاصمة الليبية طرابلس عام ١٩٧٤، وبدأ دراسته في مدرسة “النور القرآنية” حتى ختم القرآن الكريم، وكان له اهتمام بمؤلفات الشيخ الألباني، ثم هاجر عام ١٩٩٠ إلى سوريا والأردن والسعودية، فدرس على يد عدد من العلماء، من أمثال: الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وكتاب “إرشاد طلاب الحقائق” للنووي، وأخذ شرح كتاب “الباعث الحثيث” على يد الشيخ محمد عيد الدمشقي، كما لازم مجالس الشيخ ابن باز خلال مواسم الحج، وأخذ العلم الشرعي على كثير غير هؤلاء، وله مؤلفات ومحاضرات في العقيدة والفقه والسير وتحقيق الأخبار، ومنها: “التفويض في الصفات الإلهية بين أقوال السلف ودعاوى الخلف”، و”موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تارك الصلاة”.