فتِّش عن الحقيقة
فتِّش عن الحقيقة
“الحي” اسم آخر من أسماء الله سبحانه، فهو الحيُّ بذاته المُحيي لغيره ولا حياة لأحد سواه إلا بأمره. والحياة في عقيدة المسلمين حياتان: الحياة الدنيا التي تمثل عالم المشاهدة، والحياة الآخرة التي تمثل جزءًا من عالم الغيب، ولك أن تتخيل مكانة هذه الحياة الأخرى وأهمية أن تكون حاضرة في اعتقاد وواقع الإنسان، فالإيمان بها يُعد ركنًا من أركان الإيمان الستة، وجاء ذكرها عدة مرات في القرآن الكريم مقترنة بالإيمان بالله سبحانه، منها كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، وكذلك في السيرة النبوية أيضًا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فمَن أحَب منكم أن يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر”، بل إن أول ما نزل من القرآن كان المفصَّل الذي فيه ذكر الجنة والنار واليوم الآخر.
إنَّ حياة لا يحضر فيها استحضار دار أخرى للجزاء والحساب والقصاص لهي حياة عبثية لا قيمة لها، وإنكارها يرمي بالإنسان في دوامات من التيه والتخبُّط والضلال لا يجد معنى ولا إجابة لكثير من التساؤلات التي تعصف بذهنه، وإن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان أي بالقلب وعمل بالجوارح، ولذا فأن يكون المرء مؤمنًا بذلك اليوم يعني أن تظهر تبعات ذلك الإيمان على جوارحه بعد أن عقد عليه قلبه فلا يكون شديد الهلع والجزع على متاع لم يحصِّله من الدنيا، ولا على حبيب أو صديق فقده، ولا على تقدير كان ينتظره، بل يعطي الأمور قدرها ويزنها بميزانها الصحيح ويزن نفسه أيضًا، ميزانًا يرفع كفة الآخرة على حساب كفة الدنيا.
إنَّ الدنيا دار فانية كل ما فيها مؤقت، فهي لم تُعدّ لخلودٍ، بل عُدَّت لتنتهي في ساعة ما ولتكون جسرًا يُعبَر منه إلى دار أخرى هي دار خلود واستقرار، وكل ما في الدنيا قصير العمر سريع الزوال بدءًا من عمر الدنيا نفسها وعمر الإنسان، بل وعمر اللذات والشهوات التي لا تكاد تبدأ لذتها حتى تنتهي، فأنت لا تحتاج إلى هذا الوعظ كله، فافتح القرآن بلاغ الله للعالمين، وفتِّش فيه عن حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة وكن واعظ نفسك.
الفكرة من كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
“جاء القرآن رسالة تعبر تلك المسافات كلها لتلقي على الإنسان خطابًا ربانيًّا عظيمًا، يحمل قضايا محددة، قصد إبلاغها للناس”، فكيف نتحدَّث عن رسالة لا يزال عبيرها أخاذًا، يزيده مرور الزمن نداوة، والحرف فيها مقدَّس وله وزن، والكلمة فيها بمقدار فلا زيادة ولا نقصان، أليس الأولى والأحرى بقوم بين أيديهم تلك الرسالة وذلك البلاغ الرباني أن يولوه عناية فائقة وأن يقدروه حق قدره وأن يحفظوا مضمونه قولًا ويتمثَّلوه فعلًا ويقدِّسوه إحساسًا وشعورًا!
هنا في هذا الكتاب شيء من مضامين ذلك البلاغ، بل أصوله وعظيم مقاصده.
مؤلف كتاب بلاغ الرسالة القرآنية
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حاصل على دبلوم الدراسات الجامعية العليا في الدراسات الإسلامية في أصول الفقه من كلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط، كما حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب أيضًا جامعة السلطان محمد بن عبد الله بمدينة فاس في المغرب.
من مؤلفاته: “الفطرية بعثة التجديد المقبلة”، و”البيان الدعوي وظاهرة التضخُّم السياسي”، و”جمالية الدين”.