فانون بين ماركس وسارتر
فانون بين ماركس وسارتر
حلل فانون في كتابه “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” آراء فلاسفة كُثر أمثال هيجل وماركس ونيتشه وفاليري وسارتر، وأطباء نفس كفرويد وإدلر، ولكن يتحول في كُتبه التالية من تفسير الفلسفة الاجتماعية إلى صناعتها، ويرى المؤلف تشابهًا بينه وبين ماركس في مراحل التطوُّر الفكري الأولى لكليهما من حيث التعامل مع الإنسان كعنصر مجرد.
ويعكس كتاب “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” شخصية الرجل الرافض للتحول، بينما تطغى أفكار التحرر على كتاب “دراسات حول استعمار في طريقه إلى الموت”، ثم غلبة أفكار الثوري الاشتراكي في كتاب “معذبو الأرض”، وبين الأول والأخير انتقال من الوصف الديالكتيكي للعنصرية والاستعمار إلى كيفية استخدام العنف لقلب الأوضاع السائدة، فإن كان ماركس انتهى إلى قسمة العمل والصراع الطبقي، فقد رأى فانون أن الاستعمار هو من قسم العالم إلى أقطار فقيرة منهوبة وأخرى غنية مستغلِة، والطبقة الكادحة (البروليتاريا) تمثل عند الأول أقسى استغلال اجتماعي، أما عند فانون فيتشرف بشغلها المستعمرون السود.
ويَدين فانون لسارتر بالكثير من أفكاره؛ فالتطور الفكري بين “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” و”معذبو الأرض” -من الناحية الاجتماعية- يشبه انتقال سارتر من كتاب “الوجود والعدم” إلى كتاب “نقد المنطق الديالكتيكي”، وقد ظهر تراجعه عن التركيز الوجودي على حرية الفرد لصالح الحتمية الاجتماعية؛ وأعلن نفسه ماركسيًّا، وأن للوجودية أهمية هامشية تندثر حال ذوبان السلوك الفردي داخل الماركسية.
ولفهم نفسية الجماعات يعتمد فانون على التشخيص الاجتماعي لها خلافًا لمزاعم “التطور الفردي” لفرويد، ويرى أن السلامة العقلية مشروطة بسلامة المجتمع، ويُرجع النقص الذي يعانيه الزنجي إلى جذور اقتصادية تحولت بمرور الوقت إلى صفة ذاتية تتصل بلون بشرته، واستنكر فانون استخدام المعالجات النفسية لتكييف الشواذ للانسجام في مجتمع عنصري، ومثلما يكيَّف النفسانيون الأمريكيون العمال للعمل في ظروف سيئة، ولما أقدم فانون على الاستقالة عن مستشفى “بليدا” ذكر أن مهمة المعالج النفسي منعُ إحساس الإنسان بالغربة في مجتمعه، ولكن السياسة الفرنسية تجعل كل جزائري يشعر بالغربة في بلده وفاقدًا لمقومات الشخصية.
الفكرة من كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
إنَّ سيرة فرانز فانون تثير الإعجاب والدهشة، لأنها معروفة لدى الأوروبيين أكثر من سكان العالم الثالث والسُّود الذين تبنى “فانون” مشكلاتهم وناضل لأجلهم، وتبعث سيرته على الألم، لأن الاستعباد والتمييز اللذين حاربهما ما زالا ضاربين بجذورهما في ذلك العالم وإن تحورت أشكال العبودية قليلًا.
في هذا الكتاب يعرض لنا الكاتب والمؤرخ ديفيد كوت سيرة الطبيب والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي فرانز فانون، الذي عُرف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز والعنصرية.
مؤلف كتاب فرانز فانون.. سيرة فكرية
ديفيد كوت (David caute): مؤرخ وروائي وصحفي بريطاني، وُلد في الإسكندرية عام 1936، ودرس في أكاديمية إدنبره ثم كلية سانت أنتوني في أكسفورد، شغل “كوت” مناصب أكاديمية عدة وعمل أستاذًا زائرًا في جامعات كولومبيا ونيويورك، ورئيسًا مشاركًا لنقابة الكتاب في بريطانيا العظمى، وزميلًا في الجمعية الملكية للأدب.
من أبرز مؤلفاته:
The Essential Writings of Karl Marx
Under the Skin (The Death of White Rhodesia)
Isaac and Isaiah: The Covert Punishment of a Cold War Heretic
معلومات عن المترجم:
عدنان كيَّالي: كاتب ومترجم، له عدد من المقالات والتراجم منها: موسوعة العناية بالطفل.