“فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل”.. لا تتوقف عند الكتب والكراريس
“فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل”.. لا تتوقف عند الكتب والكراريس
يغلب على معظم أبنائنا الاعتقاد بأن حياة الدراسة هي أصعب أطوار حياتهم، وأن الكثير من السعادة والمتعة تنتظرهم بعد إتمام شهاداتهم، ولهذا الاعتقاد من الأخطار العديدة، أقلها هو الصدمة التي تُفجع هذا النشء بعد أول خطوة في عالم الرجال، إن حسن الظن بهذه المقولة يجعل التلاميذ مُسرعين مُتعجلين لإنهاء دراستهم، والأحرى بالمُربين أن يعرضوا أمامهم الحياة الواقعية على حقيقتها، فمن شأن ذلك أن يُحببهم في دروسهم وتعليمهم، ويحثهم على إعداد العدة وتجهيز العقول وشحذ الأذهان لمصاعب الحياة العملية، لكنه نصح لهم حول الحياة الحقيقية المتقلبة الأحوال، كما أن الاعتقاد بتوقف التعلم والدراسة على زمن المدرسة والجامعة، ظن ساذج أو كسول، وهل تعتقد أن التعليم الأساسي هو الذي يفرق بين الناس ويرفع بهم إلى المعالي؟ بل يكون الرجل ذا رأي رشيد وحدس صائب، ما داوم على القراءة والتثقف في فنه أو ما تميل إليه نفسه.
وأنت أيها الناشئ وقد أصبحت ثري العقل، غني الروح، لا يوجد من هو أجدر منك ليكون متعة للناظرين، بهي الطلعة، جميل الهندام، ولا تعتقد أن ذلك لا يتأتى إلا لأصحاب الثروات والأموال، بل الذوق الممتاز والاختيار الحسن هو الذي يعوض الناس عن الملابس الفخمة والمظاهر الباهظة، وقد يغلب التكلف على أصحاب الثراء، حتى يذهب بمظهرهم، فيصيروا إلى السخرية أقرب من الوقار، وكذلك من أجدر منك ببشاشة الوجه، وحلو اللسان، فليست المعارف والعلوم التي حصلتها، وسهرت الليالي تُبحر في صفحاتها، كفيلة بنجاحك وبناء أحلامك، بل عليك أن تدرك فعل الأهواء في الناس؛ إنها مؤثرة فيهم أكثر من عقولهم، فماذا يضرك لو تهاونت مع أخطائهم وكسبت ودهم، وأفسحت لهم القول في مجلسك، ليظهروا ميزتهم، ويُمتعوا بحديثهم، ثم تخرج أنت مكنون نفسك وحصاد معارفك، فتنتزع احترامهم، ولا تنبت في نفوسهم حسدًا إليك، فتكون كالقمر ليلة البدر، يسمو ولا يسطو.
الفكرة من كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
إن مشاعر البشر، على شدة تقلبها واختلافها، لا توجد بها عاطفة أكثر قوة وصفاءً من مشاعر الآباء تجاه أبنائهم وحبهم لهم، قد تسطو أحيانًا على نفس المرء عواطف أخرى، مثل الانتقام والطموح، لكنها تظل مشوبة بالأنانية متعلقة برغبات دنيئة، أما حب الوالد لولده، فلا فعل يُثنيه عنه، ولا طائل ينتظره الأب من هذا الولد ليبذل له حبه وحنانه، بل يُفني الأب نفسه في هذا الحب، ويسهر على رعايته الليل والنهار، حتى يتم سناه، ويرى ابنه قد سما عليه في سماء المجد، فلا حسد ولا مقت، لكنها سعادة تفضحها الدموع.
نطلع في هذه المراسلات العذبة، بين الأستاذ أحمد حافظ وولده، على شيء من هذا الحب، إذ يُسدي الأب الأديب الذي خبر أمور السياسة، وذاق من الحياة ما ذاق، إلى ولده خلاصة تجربته، ويُرشده إلى الصراط الذي يُعده لبلوغ المعالي، وهي نصائح جديرة بكل مُربٍّ أن يقرأها بتمعن، ثم يُنزلها على الحال الذي يريد، نفثات من صدر والدٍ مُحب إلى قلب ابن بار إن شاء الله.
مؤلف كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
أحمد حافظ عوض بك: الكاتب والأديب والسياسي، ولد عام 1874م، في مدينة دمنهور بالبحيرة، حيث التحق بالكُتاب، ثم أتم تعليمه في الأزهر، عمل سكرتيرًا خاصًّا ومترجمًا للخديوي عباس حلمي الثاني، وشغل منصب رئيس تحرير جريدة المؤيد، ثم أصدر صحيفتي الأهالي والآداب، من مؤلفاته:
فتح مصر الحديث: نابليون بونابرت في مصر.
رواية اليتيم.