غزو مُتحضر.. العلم يحمل السلاح
غزو مُتحضر.. العلم يحمل السلاح
كان على أبناء الثورة هؤلاء إذا كانوا يستهدفون إقامة إمبراطوريتهم الجديدة أن ينشروا ما في وسعهم من علومهم وثقافتهم، ولذلك اصطحب نابليون مع جيشه بعثة من علماء وأعضاء في المجمع العلمي الفرنسي الذي كان عضوًا فيه.
لقد أراد أن يخلد في التاريخ ليس بوصفه قائدًا عظيمًا فقط، بل بوصفه مثقفًا وناشرًا للعلم أيضًا، وبما أن هدفهم كان نسخة فرنسية أخرى في الشرق، فلم يكن هناك غنى عن علوم فرنسا وثقافتها، ولم تكن هناك حجة للجمع بين الغزو والعلم إلا تنوير هذه الشعوب المتخلفة وتمكينها من الحضارة.
وبدأ العلماء منذ دخول القاهرة في تنظيم أماكن لمعاملهم ومكتباتهم، ودائمًا ما كانوا يجدون مبتغاهم في قصور المماليك الفارين المهجورة، وتلخصت أهدافهم المعلنة في نشر العلوم والمعارف وعمل بحوث ودراسات عن مصر ، أما المهام المُوكلة إليه فكانت تقديم المساعدات العسكرية وغيرها للحملة والبحث عن كنوز الحضارة المصرية لإرسالها في ما بعد إلى بلادهم، ولا ضرر في أثناء ذلك لو تعرض المصريون لشيء من هذا العلم ولكن بحدود.. فقد كان الهدف دائمًا هو فائدة الحملة وتحقيق أهدافها.
وبما أنهم كانوا مدنيين والقليل منهم فقط كان على دراية باللغة العربية، فكانوا دائمًا مصاحبين للقوات التي تذهب لإخضاع الأهالي في الوجه البحري والقبلي.
ولما فقد الفرنسيون الأمل في جذب انتباه المصريين إلى ثقافتهم، والتجاهل المستمر للتجارب العلمية المتعمدة التي كان يتم الحشد لها، رأوا أن من الأجدى الاهتمام بهؤلاء المُتأثرين بالفعل، فقد كان هناك العديد من العلماء والمشايخ المهتمين بالفعل بالمجمع، وكانوا يزورون علماء الحملة وكان هذا التواصل هو ما يريده الفرنسيون، حتى إن الجبرتي المؤرخ الشهير تحدث عن تلك المكتبات والمعامل وهو مُعجب بتنظيمها وبمحتوياتها، وحاول الفرنسيون زيادة حماسهم باختراع كانوا في أشد الحاجة إليه وهو الطابعات، التي أحضروها معهم واستخدموها لخدمة الحملة والدعاية لها.
لقد كانت هذه الآلة ذات تأثير كبير طوال فترة الحملة إذ استخدمت لطباعة خطابات نابليون، وإصدار جريدة لجنود الحملة، وبما أنها كانت تُنشر بالفرنسية فلم تلتزم بتلك الأوامر الخاصة باحترام المصريين ومعتقداتهم.
لم يقدم هذا المجمع أي جهود تُذكر في سبيل تعليم المصريين فعلًا، ولم يكن هذا مقصده الأساسي، فقد كان هدفه دارسة مصر نفسها في سبيل خدمة الحملة، وعلى كل لم يكن المصريون يرونهم علماء ولم يهتموا بهذا العلم، لقد كانوا غزاة وقد تعاملوا معهم على هذا الأساس.
الفكرة من كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
كانت مصر دائمًا حلمًا أوروبيًّا وتمثلت في أذهان الأوروبيين كطبق ذهبي يحمل جميع أحلامهم وحلول مشكلاتهم، ومنذ عهد الإسكندر أدرك الجميع أنه لا إمبراطورية على ضفاف المتوسط تريد السيطرة على الشرق دون مصر في قلب أقاليمها.
يُقدم الكاتب مراجعات مُهمة لآراء أصبحت ترى التقدم والتجربة الغربية هي الوحيدة، ويطرح وجهات نظر حديثة تُثبت بُطلان هذه الرؤى، وتُقدم الوجه الآخر الذي كان يتم التغاضي عنه دائمًا في سبيل “الحداثة والتنوير” القادمين مع أشياء أُخرى غير مهمة، حتى وإن كان الغزو والاستعمار.
مؤلف كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
أحمد زكريا الشلق: من مواليد طنطا عام 1948م، حصل على الدكتوراه في الآداب فرع التاريخ الحديث والمعاصر بمرتبة الشرف الأولى بجامعة عين شمس، وقد حصل على العديد من الجوائز منها:
جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2010م.
جائزة الدولة للتفوق العلمي في العلوم الاجتماعية 2006م.
له الكثير من المؤلفات والدراسات التاريخية مثل:
رؤية في تحديث الفكر المصري.
العرب والدولة العثمانية.
إمبراليون ومستشرقون.