غزو الممالك والإمارات القديمة
غزو الممالك والإمارات القديمة
ليس هناك أسهل من حكم الممالك القديمة الموروثة، فهي بطبعها ألفت الاستعباد وورثته جيلًا بعد جيل، لذا فهي مفطورة على الطاعة، بل لا تكاد تهلك أسرتها الحاكمة حتى تبحث لها عن أمير آخر يستعبدها، فهي لا تقوى على العيش حرة مستقلة، فغزو تلك الممالك وفتحها لا يحتاج الأمر فيه إلى كثير دهاء لفرض السيطرة على تلك الشعوب المستعبدة، كذلك يكون الأمر فيما يتعلَّق بالاستخلاف، فولي العهد عندما يرتقي بعد ذلك ليرث عرش آبائه فلن يجد أي صعوبة تُذكَر في إخضاع المملكة لحكمه حتى لو كان هزيلًا من الناحية السياسية، يكفيه فقط أن يحاول السير على خطى أسلافه من الأمراء.
ففي الداخل ليس هناك خطر على دعائم حكمه، وإنما يكمن الخطر من جيرانه خارج مملكته، فينبغي أن يأخذ حذره لربما انقلب الزمان ودارت أيامه فكانت مملكته مطمعًا لحاكم يجاوره فيتغلَّب عليه ويسلبه عرش مملكته، فإن حدث ذلك حينها تكون فرصته الوحيدة لاسترداد ملكه هي تلمُّس غفلة أعدائه والانقضاض عليهم على حين غفلة من أمرهم، ومثل تلك الغفلة كثيرة الوقوع فليراقب فرص حدوثها.
وينبغي أن يحرص وهو في سبيل استرداد عرشه أن يبتعد عن إلحاق الأذى برعيته حتى يكتنفه حبهم ودعمهم فيضمن بذلك ولاءهم ومؤازرتهم لاستمرار حكمه بعد أن يستتبَّ له الأمر، فكلما كان الأمير كريم الخصال مبتعدًا عن النقائص كان إلى رعيته أقرب، وبذلك يستطيع أن يمحو خطايا أسلافه لا سيما إذا عفَّى عليها الزمن وطال أمده، كما أن الرعية كثيرًا ما يأنفون من التغيير خصوصًا لما استقر عندهم من الثوابت والعادات، فينبغي للأمير أن يفطن إلى ذلك ولا يكثر من تغيير ما ألفه الناس، فإن هذا مؤذِّن بعدم الاستقرار وضعف الأمان، وهذا مما تأنفه الرعية والحاشية على السواء.
الفكرة من كتاب الأمير
“هذا السِّفر على وَجازته هو بحق إنجيل السياسة المعاصرة”.
تأتي أهمية كتاب الأمير من كونه أساسًا لفكر سياسي جديد، فهو يستقرئ طبائع الشعوب والحُكام وكيفية تكوُّن الممالك والإمارات، ويصف الطريق المعبَّد للسيطرة على الشعوب، كما يضع الحلول لما قد يعترض الأمير من عقبات في أثناء فرض حكمه على رعيِّته، وهذه هي سياسة الميكافيلية التي اشتهرت فيما بعد بمبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”.
مؤلف كتاب الأمير
نيقولا مكيافيلي Niccolò Machiavelli: فيلسوف وسياسي إيطالي، وُلِدَ في فلورنسا عام ١٤٩٦م لأسرة نبيلة، لم يتلقَّ تعليمًا عاليًا ولكنه تثقَّف بقراءة الكتب الإغريقية والرومانية كما كان يفعل أبناء طبقته في ذلك العصر، عمِل بالسلك الدبلوماسي لجمهورية فلورنسا لأربعة عشر عامًا، ثم عُزِل وسُجِن ثم نُفيَ إلى الريف، وفي منفاه انعزل عن الحياة السياسية، تُوفِّي «مكيافيلِّي» بعدما داهمه المرض بعد أيام من عودته إلى فلورنسا عام ١٥٢٧م.
ويُعدُّ فكر «مكيافيلِّي» أحد أهم أعمدة عصر التنوير الأوروبي، وقد ترك ما يقارب الثلاثين كتابًا، ظل كتاب «الأمير» أشهرها على الإطلاق.