غزو الصحراء واستصلاحها
غزو الصحراء واستصلاحها
أدى النمو السكاني في الدلتا ووادي النيل إلى انخفاض في مساحة الأرض المزروعة نتيجة الاتساع العمراني، فالتوسع العمراني أكل ما نسبته 10% من إجمالي الأراضي الزراعية، لأن تلك القرى والمدن ليست لها منافذ على الصحراء، ومن ثمَّ زحفت على الأرض الزراعية، فكانت الحجة المتكررة دائمًا على ألسنة المسؤولين أن المصريين يعيشون على مساحة قدرها 5% من مساحة مصر، وأن الحل هو إعادة توزيع السكان، ومن ثم قررت الدولة إنشاء مناطق زراعية وعمرانية جديدة خارج الدلتا ووادي النيل من أجل جذب الفائض الديمغرافي، وكان هذا القرار يتفق والمنطق الحداثي الذي يرى أن التحديث يبدأ من الصحراء مع كبار المستثمرين.
وبالفعل اتجهت الدولة إلى استصلاح الصحراء وإنشاء مدن جديدة لجذب الفائض الديمغرافي، ووضعت التسهيلات لجذب المستثمرين ورؤوس الأموال، وكان ذلك على حساب القطاع الزراعي القديم الذي لم يحصل على أي دعم أو استثمار مالي من الإدارة السياسية، فقد كان كل شيء يتم لصالح الزراعة الاستثمارية، فحل الاهتمام التجاري محل الأولويات الاجتماعية، ومن ثمَّ كشفت هذه السياسة عن خيبة أمل كبيرة، إذ اشترى بعض المستثمرين هذه الأراضي من أجل المضاربة فيها، ومنهم من اشترى أراضي مستصلحة من أجل النفاذ إلى قطاعات اقتصادية أخرى!
وفي ظل هذا الوضع ظهرت فئة جديدة من المواطنين هم “الخريجون فلاحو الصحراء”، خلال الفترة الناصرية الاشتراكية كان يطبق قانون يضمن لكل خريجي الجامعات عملًا ثابتًا في القطاع الحكومي، وكان الهدف من هذا القانون تشجيع الطلاب على الدراسة الجامعية وما بعدها، بهدف الاعتماد عليهم في تحقيق كبرى المشروعات التنموية، وبعد الحقبة الناصرية ظل هذا القانون يتمتع بحصانة شعبية، ومن ثمَّ لم تجرؤ أي حكومة على المساس به، وبسبب التزام الحكومات المتعاقبة بتوفير العمل لخريجي الجامعات والمعاهد، انتهجت سياسة جديدة وهي توجيه هؤلاء الخريجين إلى وظائف جديدة وقطاعات أخرى وعلى رأسها القطاع الزراعي، وبداية من عام 1981 منحت الحكومة الخريجين قطعًا زراعية في الصحراء مقابل التزام مكتوب بالتخلي عن حق العمل الثابت في الوظائف العامة!
بعد مرور سنوات عدة أثبتت هذه السياسة فشلها، إذ باع الفلاحون الذين تخرجوا في الجامعات والمعاهد للتو أراضيهم، إما بسبب أن ريعها لا يوفر لهم العيش الكريم، وإما لأنهم أحبطوا بسرعة لعدم توافر الوسائل والآليات التي تمكنهم من الاستمرار فيها، ومن ثمَّ عاد أغلبهم من حيث أتوا، ومن بقي منهم إما باع كفاءته التقنية للمستثمرين الزراعيين، ومن لم يستطع بيع كفاءته باع قواه البدنية وعمل في الفاعل، وبناءً على ذلك تحول خريجو الصحراء إلى إحدى أكثر الفئات فقرًا في البلاد!
الفكرة من كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
يعتبر قطاع الزراعة في مصر واحدًا من أكثر القطاعات إنتاجية في العالم، ومع ذلك فإن مصر تعد أكبر المستوردين للمواد الغذائية والمنتجات الزراعية، كما يعد الفلاحون المصريون أكثر الفلاحين فقرًا في العالم، وهنا تكمن المفارقة، فغالبية الفلاحين يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أن مصر أمام مشكلة كبيرة تتمثل في عملية انقراض جماعة الفلاحين، وهو ما أصبح أمرًا حتميًّا لا مناص منه، ومن هنا يستعرض الكاتب الأسباب والسياسات التي تقف وراء فقر الفلاحين وتدهور أحوالهم بداية من النصف الثاني من القرن العشرين، وأهم السياسات التي يجب أن ينتهجها المسؤولون للحد من ظاهرة انقراض الفلاح.
مؤلف كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
حبيب عايب: جغرافي وباحث بمركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو متخصص في المشكلات الخاصة بالمياه والمجتمعات الريفية، له عدّة دراسات مقارنة في كل من مصر وتونس، وله عدد كبير من المقالات والكتب، كما شارك مع أوليفييه أرشمبو في إخراج فيلم تسجيلي بعنوان “تقاسم المياه على ضفاف النيل”، من كتبه:
Food Insecurity and Revolution in the Middle East and North Africa: Agrarian Questions in Egypt and Tunisia.
Agrarian Transformation in Arab World.
معلومات عن المترجمة:
منحة البطراوي: كاتبة وناقدة مصرية، تعمل ناقدة مسرحية في جريدة الأهرام الفرنسية، وكاتبة صحفية في الهندسة المعمارية والعمارة الداخلية في مجلة “البيت”، من ترجماتها:
التحضُّر العشوائي.
كما حررت كتاب:
الحِرف التقليدية في مصر بين التراث والاستلهام.