غاية وصعوبات
غاية وصعوبات
في القرآن تنظيم للحياة العامة والنسق الاجتماعي ومعايير تقدير قيم الأشخاص والأشياء ولكن صار الناس يقيسون كل شيء بالمادة ويبنون عليها تصرُّفاتهم؛ فازدادت حياتهم ظلامًا وقسوة، وفسدوا وأفسدوا، فإن كانت اللذة غاية الحياة، فالناس متفاوتون في اختيار أنواعها، فالنفوس الراقية تجد لذَّتها في الأعمال الشريفة والمعاني السامية، والنفوس الدنيئة تركن إلى الرخيص والمبتذل، فالمؤثِّر في غيره متلذِّذ والشحيح الأناني متلذِّذ؛ كلٌّ بحسب عُلو نفسه وانسفالها.
كانت الحقيقة الثابتة المطردة في رسالات الأنبياء جميعًا هي تحقيق العبودية لله، ورغم ما تحمَّلوا من مشاق في أدائها لم يطلبوا أجرًا من حطام الدنيا، واقتدى بهم علماء لم يجدوا لذَّتهم في التكسُّب من العلم، كما قال الشافعي: “وددت لو أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نُسب إليَّ شيء منه”، وهكذا ارتقت نفوسهم وتسامت شهواتهم فوق متع الحياة الحسية ولم تفتنهم زينة الحياة الدنيا، ولكل واحد منا في مجتمعنا رسالة يؤديها، فللعالِم رسالة وللسياسي رسالة وللعامل رسالة وللمدرسة كذلك، وينبغي الاهتداء بنفوس الرسل في تبليغ رسالاتهم والعمل لخير الجماعة والترفُّع عن الوازع الفردي الأناني.
والناس متفاوتون كذلك في مواجهة العقبات التي يلقونها في طريقهم نحو الغاية، فمنهم من يهرب مؤثرًا السلامة بمجرد التعرُّض لألم أو صعوبة، وهؤلاء لا خير منهم يُرتجى، ومنهم من يواجهها حينًا من الدهر، ثم يرجع قانعًا برجوعه ولم يكُن بعد شيئًا مذكورًا، أما أقوياء النفوس وعظماء القلوب فإنهم يواجهون المصاعب برضا، بل ويتلذَّذون بمعاناتها في سبيل الغاية الكبرى، وكان هدي القرآن في حديثه عن مواجهة الرسل لمشاق الدعوة أن يهوِّن وقعه على نفوسهم والصبر عليها والتعلُّل بالقدوة الصالحة والتقوى بالعبادة والتسبيح.
الفكرة من كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
هذا مبحث في السمات القيادية للرسل الذين صنعتهم العناية الربانية؛ فعصمتهم من الزلل ومن الضعف البشري أمام الشهوات وأهواء النفوس؛ فكانوا قدوةً لغيرهم، ونموذجًا يجب تطبيقُه في سياسة الجماعة وإدارة الحُكم، وهو ضِمن سلسلة من هدي القرآن التي التزم فيها المؤلف طريقةَ التفسير الأدبي الذي يُعنى بالتدبير النفسي والاجتماعي للحياة الإنسانية، ويقصد الموضوعات القرآنية دون التقيُّد بالأجزاء والسور؛ ثقةً بعظمة التدبير القرآني وصلاحيته لكل الظروف والأزمان.
مؤلف كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
الشيخ أمين الخولي أديب ومفكر ومناضل ثوري شارك في ثورة ١٩١٩، وزوج الأستاذة عائشة عبد الرحمن؛ وُلد عام ١٨٩٥ بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وتخرَّج في مدرسة القضاء الشرعي وعُيِّن مدرسًا بها، ثم إمامًا للسفارة المصرية في روما، وأسَّس جماعة الأمناء ومجلة الأدب وكانت له جهود تجديدية كثيرة، وكانت المؤثرات الغربية الحديثة ظاهرة في بعض أفكار الخولي، وقد أثارت رسالة “الفن القصصي للقرآن” لمحمد أحمد خلف الله -والتي أشرف عليها الشيخ وأيَّدها- جدلًا واسعًا، وخلقت أزمة بينه وبين الأزهر، وقد توفي الشيخ أمين عام ١٩٦٦ ودفن في قريته شوشاي.