عُجمةٌ في متن اللغة وأساليبها
عُجمةٌ في متن اللغة وأساليبها
يُقصد بمتن اللغة ما تضمه المعاجم من ألفاظ وما تعبر عنه، وهو أحد البواب التي أصابها تفرنجٌ كثير، ومدخل ذلك التفرنج أن أهل كل لغة يعبرون عما يريدون بألفاظ مختلفة ويشتقون من أصول الألفاظ ما لا يشتقه غيرهم، فنجد في العربية كلمة (العَقد) كعقد الحبل -التي تعني في الإنجليزية (knot)- يُشتق منها العقيدة والاعتقاد، فهل يجوز أن نقول بالإنجليزية (his knots) بدلًا عن (his beliefs)؟!
ولما كانت الترجمة بغير عنايةٍ بذلك دخلت العربية اشتقاقات من اللغات الأخرى، مثل استعمال كلمات السلب والإيجاب negative and positive في التعبير عن المعايب والمحاسن والمساوئ والمحامد والمعايب، وهي في العربية تستعمل بمعنى النفي والإثبات. والألفاظ والاستعمالات المتفرنجة كثيرةٌ وخفية حتى إنها سرت في كلام الأدباء وكبار الكتاب في العصر الحديث، والمشكلة أنها ليست زيادةً وتكثيرًا وإنما تميت غيرها من الفصيح وتؤثر في فهمنا لكلام الأوائل لتغير دلالات الألفاظ عندنا أو قلة استعمالها. ومن أمثلة الإماتة والتغليب في هذا الباب، تغليب كلمة القادة على كلماتٍ مثل الأئمة والسادة والكبراء والرؤوس، وتغليب كلمة التجاهل على الترك والإعراض، وتغليب كلمة الدرس على العظة والعبرة، وغيرها الكثير.. وربما ورد شيءٌ من تلك الألفاظ في كلام العرب من قبل، لكنه نادر وليس أصلًا، واعتياده يجعل المرء يستوحش الفصيح ويستأنس بالأعجمي.
ولا يتوقف التفرنج عند الألفاظ ودلالاتها، بل يمتد إلى أساليب الكلام، ومن أمثلة ذلك الكاف الدخيلة، كما في قولِ (هو جيد كمعلم، لكنه سيئ كتاجر)، وفي العربية أساليبٌ كثيرة تعبر عن ذلك بغير كاف كقولِ (أحسِن بهِ معلمًا، وأبئِس به تاجرًا) أو (هو في التعليم حسنٌ، وفي التجارة سيئ). وكذلك استعمال (حرفيًّا) أو (فعليًّا) للتوكيد، والتوكيد في العربية يكون بالقسَم ولام التوكيد والمفعول المطلق. ومن التفرنج الإكثار من استعمال مفردات مثل (هناك)، وتركيب الألفاظ تركيبًا أعجميًّا كقولِ (وجه انتقادًا) و(عمل بحثًا)، وعرض الكلام بقول (وأضاف:…) أو (وأكمل قائلًا:…) وغير ذلك.
ونحن إذا نظرنا في كلام العرب قبل عصر الترجمة، وجدناه بعيدًا عن أساليب اللغات الأجنبية، وإذا نظرنا في ما يكتبه المعاصرون وجدناه يُترجم إلى الإنجليزية –من شدة موافقته لأساليبها- دون حاجة إلى تبديلٍ كبير!
الفكرة من كتاب العرنجية.. بلسانٍ عربي هجين
سرت العُجمة في أهل هذا الزمان، واختلطت العربية باللغات الإفرنجية فكانت العرنجية التي يًحدثنا عنها هذا الكتاب؛ مُبيِّنًا لنا معنى العربية الفصيحة وأهميتها، وأسباب تحوِّلها، مع أمثلةٍ تبين العُجمة في أبواب اللغة المختلفة، ومع نصائح لتقويم اللسان وترقية الملكة اللغوية.
مؤلف كتاب العرنجية.. بلسانٍ عربي هجين
أحمد الغامدي: ترجمان سعودي، درس اللغة الإنجليزية في الجامعة، ثم نال الماجستير في الترجمة، ويدرس الدكتوراه.
ومن أعماله: ترجمة كتاب اللقاءات المشرقية في بلاد الشام لمحمد مارماديوك بن بكثال.