عودة اللامساواة
عودة اللامساواة
في الستينيات كان “رونالد ريغان” حاكمًا لولاية كاليفورنيا، وكان ممثلًا للناخبين البيض وأداة لغضبهم في مواجهة المتسكِّعين على رعاية الرفاهية العامة، وقد وصفهم بأنهم المحتالون الذين يعيشون على ضرائب الناس المحترمين، فتنامى إحساس لدى كثير من الأمريكيين أن دولاراتهم التي يكسبونها بصعوبة يتم إعطاؤها إلى الذين لا يستحقونها، ولم يكن ريغان بحاجة إلى أن يشير إلى أن جزءًا كبيرًا من الذين دخلوا قوائم رعاية الرفاهية العامة كانوا من السود، كما أن الكثير من مسانديه قد حدَّدوا غير المستحقين عن طريق لون الجلد والبشرة، فظهرت بناءً على ذلك النعرات العرقية من جديد، وكانت محركًا أوليًّا لازدهار مضطرب وتنامي اللامساواة.
إن هؤلاء المحافظين الجدد كانوا يتحدثون بحديث مصوغ في إشارات ورموز، إذ يتكلمون كلامًا يستهوي جماعات معينة بطريقة لا تستطيع سماعها سوى الجماعات المستهدفة فقط، وبالتالي فإنهم يتجنَّبون أن يصير التطرُّف في مواقفهم واضحًا وضوحًا عامًّا، وكان رونالد ريغان من ضمن هؤلاء المحافظين الجدد، فقد كان قادرًا على أن يعطي إشارة تعاطف مع العنصرية العرقية من دون أن يقول علانيةً أي شيء عرقي وعنصري، وكان جورج دبليو بوش من المنتمين إلى هؤلاء المحافظين الجدد، وكان يستخدم لغة في أسوأ أحوالها متكلفة لمعظم الأمريكيين، ولكنها مفعمة بأشد أنواع التطرف!
كانت هذه الحركة المحافظة الجديدة مهتمة فوق كل شيء بالدفاع عن الدين المسيحي والمِلكيّة، ومن أجل أن يتولوا السلطة كان عليهم أن يسيطروا على أحد الأحزاب السياسية وأن يكسبوا في الانتخابات، وبالتالي اتجهوا إلى إيجاد قاعدة شعبية لهم، مستندين في ذلك على عاطفتين أساسيتين: الأولى “رد فعل البيض” بأن أموالهم تذهب إلى رعاية المحتالين من السود وغيرهم، فنجد أن رونالد ريغان هاجم العون المقدَّم للأسر التي تضم أطفالًا قصَّرًا تعولهم، وذلك باختلاقه قصَّة عن امرأة كانت تعول سبعة أطفال، أرادت الطلاق لأن مبلغ الرعاية الذي سيقدَّم لها أكبر من راتب زوجها، ومن هنا كانت إدانته إلى الذين يبذرون أموال دافعي الضرائب موجَّهة إلى جمهور الناخبين لشحنهم بأن أموالهم تذهب إلى منفعة هؤلاء المحتالين! والعاطفة الثانية “الذُّهان الهُذائي حول الشيوعية”، فوصف الذين يدعون إلى احتواء الشيوعيين -وكانوا قلَّة قليلة للغاية في أمريكا مقارنةً بأوروبا- بأنهم حمقى ضعفاء، وأنه لا يوجد حل طوباوي من السلام دون نصر.
الفكرة من كتاب ضمير ليبرالي
يبيِّن الكاتب في هذا الكتاب أن تاريخ اللامساواة في الولايات المتحدة الأمريكية راجع إلى خطط سياسية حكومية مستهدية بحركات سياسية منظَّمة، إذ وُجدت أطراف كانت تدافع عن اللامساواة مستغلة الانقسامات العرقية والثقافية لمصلحتها، ما أدى إلى تركيز الثروة في يد عدد قليل للغاية من الناس ما منع ظهور الطبقة الوسطى خلال القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وظل الأمر على هذا الوضع حتى مجيء فرانكلين روزفلت رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، إذ قام بوضع برنامج إصلاحي (برنامج الإصلاح الجديد) أدى إلى تقليل فجوة الثروة والدخل، وظهور الطبقة الوسطى، وتقليص عدد الأغنياء عن طريق فرض الضرائب التصاعدية، وتأمين البطالة، والضمان الاجتماعي، فشهدت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك فترة من رعاية الرفاهية العامة، إلا أنه مع بداية الستينيات ظهرت حركة المحافظين الجدد التي أرادت أن تخصخص المؤسسات التي أنشئت نتيجة برنامج الإصلاح الجديد، واستطاعوا أن يكوِّنوا قاعدة شعبية لهم، أدت في النهاية إلى انقراض الطبقة الوسطى تدريجيًّا، وتركيز الثروة في يد قلة قليلة من الناس.
مؤلف كتاب ضمير ليبرالي
بول كروغمان: هو اقتصادي أمريكي، وأستاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، وكاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، فاز بوسام “جون بيتس كلارك”، وهو أثمن جائزة تمنح للاقتصاديين الأمريكيين، وحاصل على نوبل في الاقتصاد عام 2008، يدرِّس علم الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة برنستون الأمريكية.
معلومات عن المترجم:
محمد محمود التوبة: هو كاتب، ومترجم فلسطيني، من ترجماته:
انتحار الغرب.
سرقة التاريخ.
طريق الصين.