عوامل تشجِّع على العمل الجماعي
عوامل تشجِّع على العمل الجماعي
تعدُّّ وحدة الأتباع وقدرتهم على تأدية المهمات بفاعلية وكفاءة هي السر الثاني لقوة الحركات الجماهيرية، فما العوامل التي تحفِّز الأفراد لينخرطوا في العمل الجماعي؟
العامل الأول هو تأثير الكراهية، إذ يمكن أن يكون وجود عدو متجسِّد تصبُّ نحوه اللعنات والغضب أحيانًا السبب الوحيد المبرَّر لبقاء الحركة الجماهيرية، ويصنع الأفراد الروابط المشتركة التي تنمِّي عاطفة الكراهية.
العامل الثاني هو التقليد، إذ يرتاح الأفراد عندما يجدون أنفسهم متشابهين، يتبعون مبادئ واحدة ويتحلَّون بنفس أنماط السلوك، ليتحرَّروا من عيوبهم وإحباطهم ويتخلَّصوا من ضعف نفوسهم، ثم العامل الثالث هو الإقناع والقمع، ويعتمد الإقناع على الدعاية لتحفيز وإيقاظ المشاعر وتدعيم الآراء والأفكار، بينما يفرض القمع الأمر الواقع ويستأصل المقاومة التي تمنع وسائل الدعاية.
العامل الرابع الرغبة في التبشير، ويدفع الشك العميق في المعتقد إلى بذل مجهودات كبيرة لدعاية الأفراد إلى الإيمان به، وبادعائه أنه يمتلك الحقيقة الوحيدة، لكي يستخدم عدد المؤمنين المقتنعين في طمأنة شكوكه، إذ لا يمكن أن يكون كل هؤلاء على خطأ.
العامل الخامس هو القيادة، فلا يخلق القائد الحركات الجماهيرية من العدم، بل تكمن مهارته في استغلال الظروف التي تهيِّئ الأفراد للانخراط في حركة جماهيرية، مثل توق شديد إلى الانقياد وإرادة لمنح طاعة عمياء وشعور بعدم الرضا وتعب بسبب حمل عبء الحرية.
العامل الأخير هو الانغماس في العمل، إذ يستخدم العمال كمخدِّر للقلق الوجودي الذي يعتصر الأفراد، فكلما أجهد نفسه في وظائفه وأدواره المطلوبة انخفض بداخله صوت الأسئلة، وما تقدِّمه الحركة بتوحيد الأتباع في سلك عملي مرهق.
تستغلُّ الحركات الجماهيرية الشك كإحدى آليات السيطرة على الأتباع، فالتلصُّص والتجسُّس والمراقبة يمارسها كل فرد على الآخر، ويشعر كلٌّ منهم بأنه مراقب ومهدَّد طوال الوقت، ما يدفعه إلى إحسان التصرُّف.
إن الغلو في العمل الجماعي يؤدي إلى صهر الفرد في كيان مقدَّس، واستبعاد كل قدرات وملكات وحتى أذواق الأفراد المختلفة، فالهدف هو إخراج نمط واحد بعقلية واحدة في قالب واحد.
الفكرة من كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
الحركات الجماهيرية هي منعشات لمجتمع مريض هزيل، وضرورة لخلق التغيير ومتابعة صيرورة التاريخ، ولكن يوجد على الجانب الآخر دائمًا الإرهاب أو التطرُّف، وهي ثنائية متوالدة كلٌّ من طرفيها يؤدي إلى الآخر، والنتيجة دائمًا ما تكون كارثية، فبين العنف والتدمير والسيطرة والسادية يتوه الأفراد ويفقدون ذواتهم، يصبحون عُزَّلًا أمام العالم الهائل ويشعرون بالعجز الشديد، ما يزيد من رغبتهم في الذوبان في كيان مقدس أو الانضمام إلى حركة جماهيرية، فما العوامل التي تجذبهم إلى الحركات الجماهيرية؟ ما الخصائص الأساسية التي تشترك فيها جميع الحركات الجماهيرية على اختلافها؟ من هم أفرادها، وما المبادئ التي يعتنقونها؟ وما المراحل المختلفة التي تمر بها وسمات كل مرحلة؟
مؤلف كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
إريك هوفر: ولد الفيلسوف الأمريكي عام 1902م في نيويورك، عمل مزارعًا ثم منقِّبًا عن الذهب، وانتهى به الحال موظفًا بجامعة كاليفورنيا، له مؤلفات متعدِّدة في علم النفس الاجتماعي لدرجة أنه لُقِّب بفيلسوف الأخلاقيات الاجتماعية، ومن أشهرها كتابا: “المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)”، و”محنة التغيير”.
حصل على وسام الحرية الأمريكي عام 1983م وتُوفِّي بنفس العام، وأُسِّسَت جائزة باسمه في عام 2001م تكريمًا له.
معلومات عن المترجم:
غازي عبدالرحمن القصيبي: وُلِد الدكتور غازي القصيبي عام 1940 في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وهو أديب وسياسي ودبلوماسي سعودي شهير، عمل في عدة وظائف حكومية ودبلوماسية، وزيرًا للصحة والع
مل، وسفيرًا للمملكة العربية الس
عودية في كلٍّ من بريطانيا والبحرين، حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، كما أن لديه عدة مساهمات أدبية عديدة في مجالي الرواية والشعر، أشهرها رواية “شقة الحرية”، وديوان شعر “للشهداء”.
كما أن له إسهامات صحافية متنوِّعة أشهرها سلسلة مقالات “عين على العاصفة”، والتي كُتِبَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية.