عوامل تشجِّع على التضحية بالنفس
عوامل تشجِّع على التضحية بالنفس
من أهم أسباب قوة الحركات الجماهيرية: وحدة الأتباع التي تظهر في العمل الجماعي، واستعدادهم للتضحية بالنفس وإفنائها، فما العوامل التي تشجِّع الأفراد على تقديم أنفسهم في سبيل الحركة؟
العامل الأول هو التماهي مع المجموع، وتمثِّل الهوية الفردية عبئًا على الإنسان، فيجب أن يبرز ويتميز ويتفوق على أقرانه ويستمد قيمته من أفعاله الحرة، ولكن بسبب عجزه ومحدوديته يفشل في ذلك، فينزع إلى التوجه نحو كيان جماعي، يصبغ عليه القداسة والعظمة ليستمد منه المعنى، وتطمس هويته الفردية وينزاح العبء.
العامل الثاني هو الخيال، فإذا استطاع قادة الحركة الجماهيرية تصوير الحياة كمشهد مسرحي، يموت فيه الأفراد كأبطال يخلِّد ذكراهم التاريخ، ويهيِّئون ذلك باستفزاز مخيلة الجماهير بأزياء موحَّدة وأشعار وموسيقى وأعلام، مقلِّلين من رهبة الموت الفردي، فإن الجميع يتجه نحو الدفاع عن قضية مقدسة.
العامل الثالث هو الاحتقار الشديد للحاضر والتطلُّع إلى المستقبل، مدفوعًا بكراهية الواقع بكل ما فيه رغبةً في خلق عالم جديد يحقق الآمال والتطلُّعات بجانب رغبة بشرية أصيلة في الخلود والبحث عن المستحيل، ويتنوَّع موقف الأفراد من الحاضر بين المحافظ الذي يريد استمراره والمتشكِّك الذي يمجِّد الماضي والليبرالي الواثق بالقدرة على تحسينه وتنميته بالإيجاب، وبين الثوري والرجعي المائلين إلى تدميره وصناعة التغيير العميق، والعامل الرابع هو التطلُّع إلى شيء ما لا يُمتلك الآن.
العامل الخامس امتلاك العقيدة التي تمنح الإيمان المطلق للأفراد، واستبعاد كل الحقائق والمعلومات التي تناقضها لكي لا يتزعزع ذلك الإيمان، والعامل الأخير هو توليد مشاعر متطرِّفة وانفعالات مثارة تدفع إلى البحث عن قضية مقدَّسة جديدة.
تتشابه إلى حدٍّ ما الحركات الجماهيرية مع الجيوش المنظمة في سلب استقلالية الفرد، ومطالبته بالطاعة العمياء والولاء المطلق والتضحية بالنفس في سبيلها، بينما تختلف في أن الجيش عادةً ما يكون وسيلة للمحافظة على النظام وحفظه، بينما تهدف الحركات الجماهيرية إلى تدميره وخلق آخر.
الفكرة من كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
الحركات الجماهيرية هي منعشات لمجتمع مريض هزيل، وضرورة لخلق التغيير ومتابعة صيرورة التاريخ، ولكن يوجد على الجانب الآخر دائمًا الإرهاب أو التطرُّف، وهي ثنائية متوالدة كلٌّ من طرفيها يؤدي إلى الآخر، والنتيجة دائمًا ما تكون كارثية، فبين العنف والتدمير والسيطرة والسادية يتوه الأفراد ويفقدون ذواتهم، يصبحون عُزَّلًا أمام العالم الهائل ويشعرون بالعجز الشديد، ما يزيد من رغبتهم في الذوبان في كيان مقدس أو الانضمام إلى حركة جماهيرية، فما العوامل التي تجذبهم إلى الحركات الجماهيرية؟ ما الخصائص الأساسية التي تشترك فيها جميع الحركات الجماهيرية على اختلافها؟ من هم أفرادها، وما المبادئ التي يعتنقونها؟ وما المراحل المختلفة التي تمر بها وسمات كل مرحلة؟
مؤلف كتاب المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)
إريك هوفر: ولد الفيلسوف الأمريكي عام 1902م في نيويورك، عمل مزارعًا ثم منقِّبًا عن الذهب، وانتهى به الحال موظفًا بجامعة كاليفورنيا، له مؤلفات متعدِّدة في علم النفس الاجتماعي لدرجة أنه لُقِّب بفيلسوف الأخلاقيات الاجتماعية، ومن أشهرها كتابا: “المؤمن الصادق (أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية)”، و”محنة التغيير”.
حصل على وسام الحرية الأمريكي عام 1983م وتُوفِّي بنفس العام، وأُسِّسَت جائزة باسمه في عام 2001م تكريمًا له.
معلومات عن المترجم:
غازي عبدالرحمن القصيبي: وُلِد الدكتور غازي القصيبي عام 1940 في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وهو أديب وسياسي ودبلوماسي سعودي شهير، عمل في عدة وظائف حكومية ودبلوماسية، وزيرًا للصحة والعمل، وسفيرًا للمملكة العربية السعودية في كلٍّ من بريطانيا والبحرين، حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، كما أن لديه عدة مساهمات أدبية عديدة في مجالي الرواية والشعر، أشهرها رواية “شقة الحرية”، وديوان شعر “للشهداء”.
كما أن له إسهامات صحافية متنوِّعة أشهرها سلسلة مقالات “عين على العاصفة”، والتي كُتِبَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية.