عوامل تخلف العقلية
عوامل تخلف العقلية
إن لبَّ تخلف العقلية يكمن -من وجهة نظر الكاتب- في أسباب اجتماعية سياسية، تذهب في اتجاهين أساسيين مترابطين هما: سياسة التعليم في المجتمع، وعلاقات التسلط والقهر السائدة فيه، التي سبق التطرق إليها آنفًا، أما عن سياسة التعليم فإن تفشي الأمية في العالم النامي مسؤول بالدرجة الأولى عن استمرار الذهنية غير العلمية التي تسيطر عليها الخرافة، وتكمن العلَّة في الدول المتخلفة في نوعية التعليم ومدى تأثيره في تغيير الذهنية، فهناك انفصال تام على مستوى الفرد بين التعليم والممارسة الحياتية، ففي الحياة اليومية
نرى التقليد وانتشار الخرافات والنظرة المتخلفة إلى الوجود (بما فيها من اعتباط وتسلُّط ولا منهجية) هي السائدة.
وفي المناسبات العلمية تجد بعض الأفراد يحلِّقون عاليًا في الأجواء العلمية، ومن ناحية أخرى ما زال التعليم في مختلف مراحله وبشكل إجمالي سطحيًّا في معظم البلدان النامية في طرقه وفي محتوياته، إذ إن طرق التعليم ما زالت تلقينية إجمالًا، تذهب في اتجاه واحد، من المعلم الذي يعرف كل شيء ويقوم بالدور النشط، إلى التلميذ الذي يجهل كل شيء ويُفرض عليه دور التلقي الفاتر.
وحتى في التعليم الجامعي نجد أن الدارس يواجه صعوبات جمَّة من الناحية المنهجية، فهناك عجز شبه تام عن اتباع المنهج المنطقي في عرض الأمور، وهذا سبب رئيس في فشل نسبة مهمة من الطلاب في الامتحانات رغم حفظهم المادة عن ظهر قلب، إذ إنهم لا يعرفون ماذا يختارون للإجابة، ولا يعرفون كيف يعرضون المادة المختارة، مما يجعل إجاباتهم أقرب إلى تداعي الأفكار منها إلى عرض منظَّم للموضوع.
وتبلغ هذه الصعوبة أقصاها في الدراسات العليا، حيث يبدو القصور مذهلًا في هذا المستوى، وهو الذي يصرف غالبية هؤلاء عن متابعة مشاريعهم بعد نجاحهم في امتحان الدروس النظرية، ويظهر هذا جليًّا عندما يحاول الطالب اختيار موضوع وتصميم مقترح لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه، ولا يقتصر الأمر على الطلاب، بل يظهر أيضًا لدى المؤلفين الجامعيين، حيث يظهر مدى افتقارهم إلى الدقة والمنهجية في وضع المقرَّرات الدراسية.
الفكرة من كتاب التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
كثيرة هي الكتابات التي تناولت قضية التخلُّف في الدول النامية! ولكنَّها تركَّزت بالأساس حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثمَّ قدمت حلولًا ترتكز على الاقتصاد والصناعة بوصفها منطلقات لنجاح عملية التنمية والتحديث، وتجاهلت معظمها عن عمدٍ أو جهل الإنسان، بوصفه محورًا رئيسًا لعملية التنمية، فقدَّمت هذه الأطروحات حلولًا مستوردة وحاولوا توطينها في بيئة غير التي خُلِقت لها، ولهذا لم تنتج إلا مشاريع برَّاقة صورية لم تحقِّق تنمية حقيقية ولا تقدمًا ملموسًا.
وفي هذا الإطار يأتي هذا الكتاب ليتناول الإنسان المتخلف بوصفه موضوعًا رئيسًا، ويركز على نفسيته وظواهر حياته وتصرفاته ونظرته ومواقفه واستجاباته للحياة من حوله، ويرى الكاتب أن سيكولوجية التخلف من الناحية الإنسانية هي سيكولوجية الإنسان المقهور الذي تسيطر على حياته علاقات القهر والتسلُّط والاعتباطية، والتي يواجهها بالرضوخ تارة وبالتمرد تارة أخرى، ومن ثم يعمد الكاتب إلى تناول سمات هذا الإنسان وأبعاده شخصيته كما سنرى.
مؤلف كتاب التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
مصطفى حجازي: مفكر وعالم نفس لبناني. حصل على دكتوراه في علم النفس من جامعة ليون بفرنسا، وعمل أستاذًا للصحة الذهنية بجامعة لبنان ثم الجامعة البحرينية.
من أبرز مؤلفاته: “حصار الثقافة: بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية” (1998)، و”الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية (2006)، و”الصحة النفسية: منظور دينامي تكاملي للنمو في البيت والمدرسة” 2006، و”علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية” 2010، و”إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي” 2011.